الجمعة، 16 نوفمبر 2018

چورچ ر. ر. مارتن ينعى ستان لي


   ترجمة: هشام فهمي


ما لم تكن مختبئًا في كهفٍ في مكانٍ ما، أو مع الرجل الخُلد في أعماق الأرض، فلا بد أنك قرأت أن ستان لي توفِّيَ عن عُمر الخامسة والتسعين.
عُمر جيِّد هذا. ستان لي عاش حياة طويلة، وترك ميراثًا عظيمًا رائعًا. لقد كان جزءًا من عالمي لزمنٍ طويل جدًّا، حتى إن رحيله يبدو مستحيلًا.
لا يُمكنني أن أزعم أنه كان صديقي، فلم أحظَ بهذا الشرف. نعم، صحيح أنني التقيتُ ستان لي نحو دستة من المرَّات في مهرجانات «Comic-Con» بسان دييجو على مرِّ السنين، وكلُّ مرَّةٍ التقيته كانت كأنها الأولى، إذ لم يتذكَّر لقاءاتنا السابقة قَطُّ، ولا أظنُّ أن فكرةً كانت لديه عمَّن أكون. لكن لا يهمُّ، لأنه كان ودودًا كريمًا معي دومًا، تمامًا كما اعتاد معاملة جميع المعجبين الذين كانوا يُحيطون به في تلك المهرجانات، وهذا ما كنته بالضبط في حضور ستان؛ معجبًا معقود اللسان بعض الشيء ومنبهرًا للغاية.
إنني مدين بالكثير لستان لي. لقد كان -بشكلٍ ما- ناشري الأول ومحرِّري الأول. «العزيزان ستان وچاك». هذه هي أول كلمات لي تُطبَع على الإطلاق، وكان هذا في عمود المراسلات في العدد رقم 20 من «Fantastic Four». في أول منشور لي -وكان تعليقًا على العدد 17- قارنتُ ستان بـ... آه... شيكسپير. تقول إنني أبالغُ بعض الشيء؟ طيِّب، لكنني كنتُ في الثالثة عشرة...
ومع ذلك، ومع ذلك... هذه المقارنة، حين تفكِّر فيها، لا تخلو من جدارة. قبل شيكسپير كانت هناك مسرحيَّات، لكن أعمال هذا الشاعر العظيم أحدثت ثورةً في المسرح وتركته مختلفًا اختلافًا بالغًا عما كان من قبل. ستان لي فعل الشيء نفسه مع قصص الكومكس. طيلة طفولتي اعتدتُ قراءة الكومكس، لكنني بدأتُ أنصرفُ عنها في أواخر الخمسينات، وصرتُ أبتاع أقل وأقل من «القصص الطريفة» (كما كنا نسمِّيها آنذاك) والمزيد من كُتب الخيال العلمي والفانتازيا. وقتها كانت كومكس «DC» المهيمنة على الرفوف قد أصبحت مكرَّرةً مبتذلةً، ولم تعد تستحوذ على اهتمامي كما كانت وأنا أصغر. كنت قد بدأت «أكبر» على الكومكس.
ثم جاء ستان لي وشدَّني إليها مرَّة أخرى. أول عددٍ من «Fantastic Four» صادفته (وكان العدد 4، الذي يُقابل فيه الأبطال الأمير نامور) جذبَ اهتمامي كما لم يفعل شيء منذ سنوات، وسرعان بعدها ما ظهرَ سپايدر مان، ثم البقيَّة واحدًا تلو الآخر في غضون فترةٍ قصيرة لدرجةٍ مدهشة. هَلك، ثور، آيرون مان، آنت مان (والواسپ المدهش) وإكس من وآڤنچرز ووندر مان (الذي مات في العدد نفسه الذي ظهر فيه) وبلاك پانثر وإنهيومانز وجالاكتوس وسيلڤر سرفر... والأشرار، دكتور دووم، دكتور أوكتوپوس، ڤالشر، ساندمان، ميستيريو، لوكي... وغيرهم وغيرهم.
هذه الشخصيَّات كانت لها «شخصيَّات»، مميِّزات، عيوب، أمزجة. لم يكن الأبطال صالحين بالكامل ولم يكن الأشرار طالحين بالكامل. كانت للقصص منعطفات والتواءات، ولم يكن بإمكاني أن أتوقَّع وجهتها. أحيانًا قاتل الأخيار الأخيار، وتغيَّرت الشخصيَّات ونضجت... بينما في «DC» كان سوپرمان ولويس لين في العلاقة نفسها لعقود، أمَّا پيتر پاركر فصاحب فتاةً تلو الأخرى كمراهقٍ حقيقي، وتخرَّج في المدرسة الثانوية والتحق بالجامعة. في هذه القصص كان يُمكن أن يموت الناس، وقد ماتوا.
كان يجب أن تكون موجودًا في تلك الفترة لتُدرك كم كان كل هذا ثوريًّا. ما كانت الكومكس كما نعرفها اليوم لتوجَد لولا ستان لي، وربما ما كانت لتوجد على الإطلاق في الحقيقة.
لا، لم يفعل كلَّ هذا وحده بالطبع، فلا يجب الاستهانة أبدًا بعبقريَّة فنَّاني «Marvel»، خصوصًا چاك كربي وستيڤ ديتكو. لقد كانوا جزءًا ضخمًا من «Marvel» أيضًا، لكن ستان لي كان في المركز.



تلك الرسالة في العدد رقم 20 من «Fantastic Four» لم تكن الأولى التي أرسلها إلى ستان وچاك وستان وستيڤ وستان و... الفنَّان الذي عمل على القصَّة التي أكتبُ عنها أيًّا كان. نُشر عدد من رسائلي مع عنواني بالتفصيل، ورأى محبُّون آخرون للكومكس في أنحاء البلاد الرسائل وبدأوا يُرسلون إليَّ قصص معجبين ورسائل بدورهم، وبفضل هذه الرسائل بدأت صداقتي مع ريتشارد وولدروپ... هو في تكساس وأنا في چرسي. وبعد قراءة بعض تلك القصص المتبادلة الأولى بدأتُ أكتبُ لهم أيضًا. كانت قصصي المنشورة الأولى، وكان لي أبطالي الذين ابتكرتهم؛ مانتا راي وجاريزان المحارب الميكانيكي ووايت رايدر (الذي مات في قصته الأولى مثل وندر مان)، وبعدهم بفترة الأبطال الذين ابتكرهم أصدقائي لـ«Star-studded Comics» من تكساس تريو وپاورمان ودكتور ويرد. لم أكن أستطيع الرسم فكتبتُ «قصصًا نصيَّة»، قصص أبطال خارقين على شكل نصوص، وهو ما أحبَّه الناس، وهو ما شجَّعني على  الاستمرار في الكتابة، وإذ كتبتُ بذلتُ قصارى جهدي كي أكتب مثل ستان لي.
هذه الأيام في الحوارات يسألونني كثيرًا عن أكثر كُتاب كان لهم تأثير عليَّ حين بدأتُ الكتابة، وهُم كُثر. في الخيال العلمي هناك هاينلاين وآندريه نورتون وإريك فرانك راسل، وفي الفانتازيا روبرت إ هاوارد وتولكين وفريتز ليبر، وفي الرعب الفذ هـ. پ. لاڤكرافت. بعدها، حين كبرتُ، أصبح هناك چاك ڤانس وإرسولا ك. لو جوين وروچر زيلازني وسامويل ر. ديلاني وألفريد بستر، وبعدهم ويليام جولدمان وف. سكوت فيتزچيرالد.
لكن أعظم التأثيرات أبكرها في رأيي، وفي البداية لم يكن هناك إلا ستان لي.
لقد حظيت الكومكس بالكثير من الكُتاب العظماء منذ بدأ عصر «Marvel»، مثل نيل جايمان ولن وين وآلان مور وغيرهم وغيرهم وغيرهم... القائمة تطول وتطول، لكن لولا ستان لي وما اختلقه من عوالم وشخصيَّات وطراز لكانت مساراتهم المهنيَّة وإنجازاتهم مختلفةً تمامًا، وربما مستحيلةً.

دعوني أختمُ برسالةٍ أخيرة:

عزيزي ستان،
لقد أبليت بلاءً حسنًا. ما دام الناس يقرأون الكومكس ويؤمنون بالأبطال ستبقى شخصيَّاتك في الذاكرة. شكرًا جزيلًا. «Make Mine Marvel».

George R. Martin
35 East First Street
Bayonne, New Jersey

هناك تعليقان (2):

  1. جميل جدا. ربنا يرحمه و يحسن إليه و يطول في عمر الكاتب و المترجم

    ردحذف
  2. نفسي يبقى عندنا زي عندهم كتاب فنتازيا ناجحون وكتاب خيال علمي مبدعون وكذلك سلاسل كوميكس مبهرة.
    ولكنها محض احلام.

    ردحذف

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...