الثلاثاء، 25 فبراير 2020

أضواء المسرح

أضواء المسرح
مُقتطف من الرواية الوحيدة التي كتبها تشارلي تشاپلن



- «الجمهور؟ ولماذا تكره الجمهور؟».
أجابها بابتسامةٍ حزينة: «لأنني عجوز لم يعُد يشعر بشيءٍ إلا المرارة على ما أعتقد».
هزَّت رأسها دون أن تُبعد عينيها عنه، وقالت: «لستَ عجوزًا، كما أنني واثقة بأنك لا تشعر بالمرارة. إنك تحب الناس كثيرًا».
- «أحبهم فرادى نعم، فهناك شيء من العظَمة في كلِّ واحدٍ منهم... لكن عندما يجتمعون ليُكوِّنوا جمهورًا... تعرفين كيف يكونون. إنهم مزيج غير متجانِس من مختلف المشارِب والأهواء. ذلك الذي كان نجمًا كبيرًا ذات يوم، فأمطروه استهجانًا لينزل عن خشبة المسرح... أدركتُ أن هذا قد يحدث لي أيضًا. عندما يتقدَّم الكوميديان في العمر وتتلاشى حيويَّته، فيجب أن يُفكِّر في عمله ويُحلِّله، هذا إذا كان لا يزال يرغب في الاستمرار في العمل الكوميدي... ويجب أن يُفكِّر في الجمهور، وأنا بدأت أخاف الجمهور. هؤلاء القوم قساة حقًّا، لا يمكنك توقُّع ردَّة فعلهم، كأنهم وحشٌ بلا رأس، ولا تعرفين أبدًا ما الذي سوف يَصدُر منهم، من الممكن أن يكون أيَّ شيء. لهذا السبب كان يجب أن أتناول شرابًا قبل أن أخرج لأواجههم. كلُّ عرضٍ الآن أصبح عذابًا. إنني لم أحب الشراب حقًّا من قبل، لكني لم أستطع أن أكون مُضحِكًا دونه، وكلما شربت أكثر...»، وهزَّ كتفيه مضيفًا: «لقد صارت دائرة مفرغة».
- «ماذا حدث؟».
- «انهيار عصبي. كنت على شفا الموت».
- «وما زلت تشرب؟».
أجاب مبتسمًا: «أحيانًا، عندما أفكِّر في أشياء بعينها، في الأشياء الخطأ ربما. لكني تكلَّمت بما يكفي عن نفسي. ماذا عنك؟ ماذا تريدين على الإفطار؟».
قالت مُطرِقةً: «الكوميديا عمل حزين حقًّا».
كانت الطاولة مُعدَّة، وهو جاهز لطهي وجبة الإفطار، لكنه توقَّف في مكانه وقال مُفكِّرًا بعُمق: «لكن لديها ما تُكافئك به... النَّشوة الغامرة التي تنتابك وأنت تسمعين الجمهور يضحك...».
ثم قال وهو يفتح باب الثلاجة: «لنرَ. لديَّ بيض وسلمون وسردين، و...».
وبتر عبارته ليُطرقِع بأصابعه ويقول: «الحُلم! لقد حلمت بأننا نؤدِّي نِمرة معًا! لكن هذه هي المشكلة: في أحلامي تراودني أفكار رائعة، لكني أنساها عندما أستيقظ. هذا الصباح وجدت نفسي أهتز من فرط الضحك، ثم نهضت وهرعت إلى المكتب وخططت خمس صفحات من النِّمَر التي ستقتلهم ضحكًا. ثم إنني استيقظت لأجد أني لم أكتب حرفًا».
- «هذا محبِط!».
- «يمكنني أن أعود، فقط إذا تذكَّرت أحلامي. يجب أن أعمل، وليس من أجل المال فقط، بل من أجل روحي».
- «ليتني أستطيع مساعدتك».
قال بجديَّة: «أعرف أنني مُضحِك فعلًا، لكن مديري المسارح يقولون إنني انتهيت، إن نجمي أفل. رباه! كم سيكون من الرائع أن أجعلهم يلتهمون كلماتهم! لكن هذا ما يجعلني أمقت العَجَز؛ الاحتقار واللا مبالاة التي يعاملون المرء بهما. يعتقدون أنني صرت بلا نفع، أن زمني انتهى، ولهذا سيكون من الرائع أن أعود، أن تكون عودتي مدويةً، أن يرتجَّ المسرح بالضحكات كما من قبل، أن تغمرك أمواج من الضحك فترفعك عن الأرض. تشعرين عندها بأنك تريدين مشاركتهم الضحك، لكنك تكتمينه في داخلك. لا شيء في العالم يضاهي هذا الشعور». ثم صمت لحظةً قبل أن يُردِف: «وبقدرِ ما أمقت هؤلاء الأوغاد، أعشق سماعهم يضحكون!».

------

كتبها سنة 1948، ونُشرت للمرَّة الأولى في 2014

الأحد، 9 فبراير 2020

خواطر عن العم أوسكار

ستيڤن كينج
ترجمة: هشام فهمي


عندما تسأل جوجل عن سبب إطلاق الاسم «أوسكار» على جوائز الأكاديميَّة، فإنك تتلقَّى أندر إجابة على الإنترنت على الإطلاق: «من يدري؟».
يقول بعضهم إن بِت ديڤيز هي المسؤولة، وطبقًا للقصَّة التي تُحكى فقد أطلقت على الجائزة التي فازت بها عام 1936 (للعبها دور ممثِّلة مدمنة على الكحول في Dangerous) اسم زوجها الأول، هارمون أوسكار نلسون. المشكلة الوحيدة في هذه القصَّة أن والت ديزني كان قد أطلق الاسم نفسه على تمثاله الصغير قبل عامين، عندما فاز بالجائزة لأفضل فيلم كارتون قصير.
أما أكثر قصَّة أراها جديرة بالتصديق -وأكثر قصَّة تروقني كذلك- فهي أن الاسم يرجع إلى مارجريت هيريك، التي كانت المدير التنفيذي لأكاديميَّة الفنون والعلوم السينمائيَّة منذ بداية الأربعينات وحتى تقاعُدها عام 1971. كانت المسز هيريك مجرَّد أمينة مكتبة في عام 1931، عندما علَّقت على شكل التمثال الصغير قائلةً إنه يُذكِّرها بعمها أوسكار.
آه... العم أوسكار. إما أن هذه القصَّة تبدو سليمة تمامًا أو أن عمك ستيڤي مجنون، وعمك ستيڤي ليس مجنونًا.
كل عام، عندما يحين وقت الاحتفال إياه، يخطر لي أن مَن حبُّهم للسينما عادي مُغرمون بالأوسكار، أما المُغرمون بالسينما فعلاً فحبُّهم للأوسكار عادي. وبصفتي رجلًا يشعر بالإحباط إذا لم يُشاهِد ثمانين فيلمًا على الأقل كلَّ عام، فإنني أضعُ نفسي ضمن المجموعة الثانية. أحبُّ بالطبع رؤية امرأةٍ فاتنة ترتدي فستانًا فاتنًا، لكني لا أعبأ على الإطلاق بتحليل عشَّاق الموضة للفستان الذي ارتدته فلانة وكيف بدا عليها. بالنسبة إليَّ، لا تزيد مجموعة من اللقطات لأناسٍ متأنِّقين جالسين في مقاعدهم يتجاذبون أطراف الحديث في إثارتها على مجموعة لقطاتٍ أخرى لعددٍ من الرياضيين الجالسين خارج الملعب خلال جزءٍ ممل من مباراة كرة. البساط الأحمر ليس إلا شيئًا تمشي عليه كي تبتعد عن الأمطار المنهمرة على رأسك لا أكثر.
علاوةً على ذلك، لم تكن لي علاقة بكلِّ هذا حتى رُشِّح The Green Mile لجائزة أفضل فيلم سنة 2000، وتلقَّى عنه صديقي فرانك دارابونت ترشيحًا لأفضل سيناريو مقتبَس. من عادتي في ليلة الأوسكار أن أجهِّز وجبة خفيفة وأشاهد إلى أن أغيب في النوم، ثم أقرأ في اليوم التالي على الإنترنت عن الفائزين بالجوائز الكبيرة، بالإضافة إلى الهراء الذي تلفَّظوا به عند تسلُّمهم إياها... وهو هراء حقًّا بجميع المقاييس، لكنه هراء لا بأس به، لأنه لا يهم في النهاية، ولا الجوائز كذلك تهم حقًّا، اللهم إلا بالنسبة لمن فازوا بها وللمحاسِبين الذين يعرفون أن بعضًا من (الأعمام الذهبيين) في تلك الليلة يعني المزيد من البنكنوت في شباك التذاكر. هكذا يبدو لي من اللائق تمامًا أن تحمل الجائزة اسمًا مستعارًا سخيفًا لا يخلو من حميميَّة.
ما يهم بالفعل هو الأفلام نفسها، الأفلام الجيِّدة حقًّا، الأفلام المثيرة حقًّا (وهي غالبًا الأفلام التي تُرشَّح ولا تفوز). معظم الأفلام ليس جيِّدًا ولا مثيرًا، وكلنا يعرف هذا على ما أعتقد... وبين الحين والآخر يظهر فيلم سيئ على نحوٍ استثنائي (وأفكِّر هنا في أفلامٍ مثل Gigli أو Freddy Got Fingered) يجعلنا نتوقَّف ونستغرِق في التعجُّب منه. هذا البراز السينمائي الذي يستحق دخول التاريخ من فرط سوئه لدينا له جوائز مثل الرازي، أما أغلب الأفلام فمتوسِّط المستوى، لا أوسكار ولا رازي له.
الفكرة أن الأفلام فن قائم على التعاون، وغالبًا ما لا ينجح المبدعون في العمل معًا. التناغُم نادر، لكنه -عند وقوعه- يُشعِرني بنوعٍ سامٍ من الانجذاب، وهذا هو الشيء الذي يدفعني إلى العودة في كلِّ مرة، أو الأمل في حدوثه بالأحرى.
لا سيِّدات فاتنات في فساتين فاتنة، لكن لا بأس بهذا، لأنني أختار الأفلام نفسها فوق العم أوسكار في كلِّ مرَّة.


نُشِر في Entertainment Weekly في فبراير 2010

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...