الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

اليوم العالمي للغة العربية

هشام فهمي


في اليوم العالمي للُّغة العربيَّة، أرى الأصدقاء والزُّملاء يحتفلون ويحتفون بها على صفحاتهم، فأفكِّرُ أنه يَجدُر بي أن أكتب شيئًا بدوري، باعتباري مترجِمًا إلى هذه اللُّغة، وأكل عيْشي ذاته مرهون بأن أجيدها وأواصل التبحُّر فيها مثل الإنجليزيَّة بالضبط، بل وأكثر، فمن السهل أن تبحث في القواميس عن معنى كلمةٍ ما، أمَّا التعبير عنها بالعربيَّة بالشكل السليم في المكان السليم فليس بالسهولة نفسها. أكتبُ هذا المفتتَح ثم أعيد قراءته، فأتوقَّفُ عند كلمة "يحتفون" ويَخطُر لي أن أتأكَّد من معناها، لأن لديَّ شكًّا مفاجئًا في كون الفعل يتعدَّى بذاته أم بحرف جر. هكذا أفتح المعاجم، مع أني استخدمتُ الكلمة مرارًا من قبل، وأراجعُ معلوماتي والفارق بين معنييْها المختلفيْن (الاحتفاء بمعنى خلع النعل، والاحتفاء كما قصدته). الآن أضعُ يدي على طرف خيط الكلام الذي يُمكنني أن أكتبه. كنتُ أكرهُ العربيَّة... بالأحرى كنتُ أكرهُ تعلُّمها، على الرغم من حُبِّي القراءة بها منذ الصِّغر، فكنتُ أقرأُ نجيب محفوظ كما أقرأ ملف المستقبل، وطه حسين كالمغامرين الخمسة، أي شيء في متناوَلي أقرأه، لكن الدراسة كانت شيئًا آخَر، ودائمًا كانت درجاتي متوسِّطة على الأكثر في المادَّة، والنحو بالتحديد كان أكثر ما كرهته، وحتى الآن أجدُ مشكلةً في حِفظ أغلب القواعد. مشكلتي أن العربيَّة صعبة، وقواعدها كثيرة للغاية، ومهما تعلَّمتُ وأجدتُ فلن أدرك إلَّا النَّزر اليسير منها، فـWhy bother with it؟ هذا ما كنتُ أقوله لنفسي. الجزء الأخير قلته بالإنجليزيَّة بالفعل، هكذا كنتُ وما زلتُ أكلِّمُ نفسي وغيري، باللُّغة التي وقعتُ في غرامها منذ البداية وتفوَّقتُ فيها على الفور. ثم بدأتُ العمل في الترجمة على استحياء، ترجمة قوائم وسِيَر ذاتيَّة وتقارير وخلافه، الأشياء التي لا يُبالي أصحابها كثيرًا بسلامة النحو أو علامات الترقيم وما إلى ذلك ما دام الكلام واضحًا. وقتها كنتُ أعملُ في "نت كافيه" صغير، ولا تصوُّر عندي لامتهان الترجمة فعليًّا. ثم كان ذلك اليوم الشِّتوي في عام 2004 في ميدان محطة الرمل بالإسكندريَّة مدينتي الأولى، عند باعة الصُّحف، حين أثار غيظي لأقصى حد الغلاف الخلفي لروايةٍ ما لا أذكر عنوانها، عليه عبارة "منسيُّون ولسنا منسيِّين". ما أثار غيظي أني لا أعرفُ لماذا تأتي الكلمة هنا "بالواو" وهنا "بالياء"! كان عام كامل قد مرَّ على هذه الحادثة الصغيرة، قبل أن أبدأ الترجمة الاحترافيَّة للمرَّة الأولى، ترجمة الأفلام والمسلسلات في معمل ترجمة، ولأني صرتُ "محترفًا"، فكان عليَّ أن أعطي العمل حقَّه، فأصغيتُ إلى نصيحة أستاذي وزميل العمل عادل ميخائيل رحمه الله، لمَّا قال إنه يتنبَّأ لي بمستقبَل في الترجمة، ويراني أواصلُ حياتي في ممارستها، فما يراه حين يراجع عملي مبشِّر للغاية، لكن عليَّ أن أحرص أكثر على الإلمام بقواعد اللُّغة وأعرف الأخطاء الشائعة (التي كنا نقترف بعضها في ترجمة الشاشة مع معرفتنا بها، مثل "حسنًا" و"خاصتي" اللعينتين، لكن السوق والمحطات تفرض رغبتها دومًا)، وأتعلَّم متى وأين أستخدم البلاغة، والتعبيرات والتراكيب التي يصحُّ استخدامها هنا بينما لا يجوز هناك، وهكذا... قبلتُ التعلُّم الحقيقي للضرورة المهنيَّة، واستحالَت الضرورة إلى حُب، واستحالَ الحُب إلى حُب ضروري. أردتُ أن تُشاهِد أمِّي فيلمًا بترجمتي، وأردتُ أن تنبسِط أمِّي -معلِّمة اللُّغة العربيَّة- مني، فحرصتُ على أن تُشاهِد الفيلم بترجمة تليق بها وباللُّغة... وانبسطَت، وأحببتُ اللُّغة أكثر. بين الكراهية والحُب مسافة طويلة قطعتُ أكثرها بلا وعي أو نيَّة بعينها، لكن الحُب عندي مرتبِط بالاحترام، والاحترام يعني ألَّا يُخالِجني أي وهم عن أني أعرفُ كلَّ ما تلزمني معرفته عن العربيَّة، وأني سأظلُّ أتعلَّم وأرتكب أخطاءً فأتعلَّمها فأراجعُ نفسي فأشكِّكُ في معلوماتي أحيانًا وأتأكَّدُ منها فأنتجُ عملًا أفضل، وهكذا بلا نهاية لهذا المحيط الشاسع. في اليوم العالمي للُّغة العربيَّة، أكتبُ، وباختصارٍ مُخِل، عن علاقتي باللُّغة العربيَّة، لكني سعيد لأني كتبتُ.

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...