الأربعاء، 29 مايو 2019

مقتطف من «رقصة مع التنانين»

الكتاب الخامس من «أغنية الجليد والنار»
نهاية العام، عن دار التنوير
ترجمة: هشام فهمي


بَعد المعركة تقدَّم آلاف منهم قاطعين الغابة بمشقَّة، يُقاسون الجوع والخوف في فرارهم من المقتلة التي حلَّت بهم عند (الجِدار). بعضهم تكلَّم عن العودة إلى البيوت التي هجروها، وبعضهم عن شَنِّ هجمةٍ ثانية على البوَّابة، إلَّا أن أكثرهم مضى تائهًا لا يدري أين يذهب أو ماذا يفعل. لقد فرُّوا من الغِربان ذوي المعاطف السَّوداء والفُرسان المدرَّعين بالفولاذ الرَّمادي، لكن أعداءً أقسى يتصيَّدونهم الآن، وكلَّ يومٍ يُخلِّفون مزيدًا من الجُثث في أعقابهم، منهم من ماتَ جوعًا ومن ماتَ بردًا ومن ماتَ مرضًا، ومنهم آخَرون قتلَهم من كانوا إخوتهم في السِّلاح عندما زحفوا جنوبًا مع مانس رايدر، ملك ما وراء الجِدار.
وقال بعض النَّاجين لبعض بنبراتٍ يائسة: سقطَ مانس، أُسِرَ مانس، ماتَ مانس، وبينما تخيط ثيسل جرحه قالت له: «هارما ماتَت، ومانس أسير، والباقون هربوا وتركونا. تورموند والبكَّاء وسِت جلود، كلُّ أولئك المُغيرين الشُّجعان، أين هُم الآن؟».
حينها أدركَ ڤارامير أنها لم تتعرَّفه. ولِمَ تتعرَّفني؟ إنه لا يبدو كرجلٍ عظيم في غياب وحوشه. كنتُ ڤارامير سِت جلود الذي شاركَ مانس رايدر طعامه وشرابه. ڤارامير هو الاسم الذي أطلقَه على نفسه في سِنِّ العاشرة. اسم يليق بلورد، اسم للأغاني، اسم قوي مهيب. وعلى الرغم من ذلك فَرَّ من الغِربان كالأرنب المذعور. اللورد ڤارامير الرَّهيب أصابَه الجُبن، لكنه لم يحتمل أن تعرف هي ذلك، فأخبرَ الزَّوجة الحربة بأن اسمه هاجون، وبَعدها تساءلَ لِمَ خرجَ هذا الاسم تحديدًا من بين شفتيه دونًا عن كلِّ الأسماء الأخرى التي كان بإمكانه أن يختارها. أكلتُ قلبه وشربتُ دمه، ولا يزال يُطارِدني.
ذات يومٍ في أثناء فرارهم جاءهم خيَّال يُهروِل قاطعًا الغابة بحصانٍ أبيض أعجف، يصيح فيهم أن يتَّجهوا جميعًا إلى (النَّهر اللَّبني)، وأن البكَّاء يجمع المُحاربين من أجل عبور (جسر الجماجم) والاستيلاء على (بُرج الظِّلال)، فتبعَه كثيرون لكن أكثرهم لم يفعل. بَعدها تنقَّل مُحارب قاسي الملامح يرتدي الفرو المزيَّن بالكهرمان من بؤرة نارٍ إلى أخرى يحثُّ جميع النَّاجين على التَّوجُّه شمالًا واللُّجوء إلى وادي الثِّنِّيين. لم يُدرِك ڤارامير قَطُّ لماذا حسبَ الرَّجل أنهم سيكونون آمنين في المكان الذي فَرَّ منه الثِّنِّيون أنفسهم، لكن مئاتٍ تبعوه، في حين ذهبَ مئات غيرهم مع ساحرة الغابات التي رأت في رؤيا أسطولًا من السُّفن الآتية لحمل شعب الأحرار جنوبًا. صاحَت الأُم مول: «علينا أن نسعى إلى البحر»، واتَّجه أتباعها معها شرقًا.
لو أنه أقوى لكان ڤارامير معهم، لكن البحر كئيب بارد بعيد، وهو يعرف أنه لن يعيش حتى يراه أبدًا. لقد ماتَ تسع مرَّاتٍ والآن يُحتضَر، وستكون هذه ميتته الحقيقيَّة. معطف من فرو السَّناجب، طعنَني من أجل معطفٍ من فرو السَّناجب.
كانت صاحِبته ميتةً، وقد تهشَّمت مؤخِّرة رأسها وتحوَّلت إلى كتلةٍ من العجين الأحمر المرقَّط بقِطع العظم المكسور، لكن معطفها بدا ثقيلًا سميكًا. كان الثَّلج يَسقُط، وڤارامير فقدَ معاطفه كلَّها عند (الجِدار). الجلود التي ينام تحتها، وثيابه الدَّاخليَّة الصُّوف، وحذاؤه المصنوع من جِلد الخراف، وقُفَّازه المبطَّن بالفرو، ومخزونه من نبيذ العسل ومؤونته من الأطعمة... كلُّ هذا فقدَه وتركَه وراءه. احترقتُ ومِتُّ ثم هربتُ منتابًا بجنون الألم والرُّعب. ما زالَت الذِّكرى تُشعِره بالخزي، لكنه لم يكن وحده. هناك آخَرون غيره هربوا أيضًا، مئات منهم، آلاف. خسرنا المعركة، جاءَ الفُرسان بفولاذهم لا يُقهَرون، يَقتُلون كلَّ من ظَلَّ يُقاتِل. كان إمَّا الهرب وإمَّا الموت.


الأحد، 19 مايو 2019

رسالة وداع حزينة لـ«Game of Thrones»



كان بودِّي أكتب الكلام ده في سياق بعيد عن خيبة الأمل، لكن هو كلام يستحق الكتابة رغم ذلك.
مش هتكلِّم هنا عن سذاجة وسطحيَّة الكتابة في المواسم الأخيرة من المسلسل، ولا الوثبات اللي لا تمت بصلة لأي منطق في الحلقات الأخيرة، ولا الإحباط اللي القصَّة تسبَّبت فيه لمحبِّين كتير في فصولها الأخيرة.
الكلام هنا أقرب للكليشيه، أو هو فعلًا كليشيه.
إن الكنز في الرحلة.
الكليشيه كليشيه لسبب وجيه، وما بيبقاش كليشيه إلا لأنه حقيقي جدًّا.
كعمل فني، فـ«لعبة العروش» ما زال وهيفضل لفترة طويلة عمل غير مسبوق في التليفزيون والسينما، غيَّر مفاهيم ناس كتير عن الكتابة التقليديَّة وإزاي تفاجئ المُشاهد بأحداث صادمة غير متوقَّعة تذهله وفي الوقت نفسه بيشوفها التطوُّر الطبيعي للقصَّة اللي معمولة بمزاج، عمل علِّم مُشاهدين تقليديِّين تمامًا معلومات عن النقد الفني وبناء الشخصيَّات وتطوير الحبكة، عمل فتح سكَّة للفانتازيا في التليفزيون أخيرًا بعد ما عانت سنين في السينما في محاولة تقليد «سيِّد الخواتم» و«هاري پوتر»، عمل أبرز مواهب المئات في بناء الديكورات وتصميم الأزياء والأدوات اللي بتظهر على الشاشة والخدع البصريَّة والموسيقى والتصوير والمونتاچ والإخراج (والكتابة لفترة طويلة)، عمل عرَّف ناس كتير على مواهب مجهولة بالنسبة لهم في التمثيل زي تشارلز دانس (تايوين لانستر) وستيڤن ديلين (ستانيس باراثيون) وپدرو پاسكال (أوبرين مارتل) ورسَّخ ممثِّلين مخضرمين زي شون بين (إدارد ستارك) ولينا هيدي (سرسي لانستر) وفتح باب الفرصة لممثِّلين ناشئين منهم اللي بقوا نجوم صف أول دلوقت، عمل خلَّى ناس كتير جدًّا عمرهم ما قرأوا أو بيقرأوا قليل جدًّا يفتحوا كتاب ضخم وينغمسوا فيه ويتناقشوا في أحداثه وأبطاله، عمل شجَّع محبِّيه على الرسم والتصميم والغناء والعزف والجرافيتي وتصوُّر أحداث بديلة ووضع نظريَّات والتجمُّع مع بعض على حاجة شغوفين بيها، عمل عرَّف ناس من جميع أنحاء العالم على بعض وأصبحوا أصدقاء وفيه منهم اللي ارتبطوا، ودفع ناس للسفر لأماكن جديدة.
رغم كل شيء، ورغم نهاية العمل نفسه أيًّا كانت، فكل دي مكاسب لا يُستهان بيها.
عن نفسي الموضوع شخصي جدًّا، رغم إن نهاية المسلسل مجرَّد محطَّة في رحلتي مع «أغنية الجليد والنار»، ورغم إني عارف إني مش هرضى عن النهاية بشكل عام لأن صعب حلقة واحدة تصلَّح كل الأخطاء اللي عملوها... رغم كل ده المسلسل هيسيب فراغ عند الواحد، أقل سبب إن الواحد أكيد بيتعوِّد على الحاجة اللي متابعها من 8 سنين، بتكون جزء من كلامه مع الأصدقاء وتفكيره في الأعمال الفنيَّة، ده غير حالة الترقُّب اللذيذة قبل كل حلقة حتى لو عارف إن الحلقة مش هتكون على المستوى المأمول، والاستمتاع بالكلام مع المهتمِّين بعدها، وحتى التريقة عليها. كل ده الواحد أكيد هيفتقده.
وأنا ممتن للمسلسل لأني لولاه ما كنتش قرَّرت أقرأ واحدة من أفضل وأهم وأنجح السلاسل الروائية في تاريخ الأدب ككل مش الأدب الفانتازي بس، بعد ما كنت سمعت عنها في بدايات الألفينات وما حسِّتش باهتمام بيها لسببٍ ما. لولا المستوى اللي بدأ بيه المسلسل واستمر فترة أكيد ما كنتش ههتم بقراءة الروايات الأصليَّة. ممتن لأن قراءة الروايات دي ساعدتني على الخروج من حالة اكتئاب سيِّئة جدًّا، وقرار ترجمتها كان من أكثر الحاجات اللي تحمَّست لها وسعيت لها في حياتي، ترجمتها اللي عادت عليَّ بمعارف ما كنتش أتصوَّرها في اللغة العربيَّة قبل اللغة الإنجليزيَّة، ودفعتني إني أتعلِّم من أخطائي وأحسِّن مستوايا مع كل كتاب جديد وأستخدم مفردات جديدة وأهتم أكثر بقواعد اللغة والنحو والصرف والأخطاء الشائعة، وخلِّت اسمي معروف نسبيًّا عند شريحة لا بأس بها من القرَّاء العرب، اللي أتمنَّى يفضلوا يتابعوا شغلي الجديد بعد نهاية السلسلة، لأن مارتن مش آخر المؤلِّفين، وقائمة الأماني عند الواحد طويلة. والترجمة دي علِّمتني حاجات كتير عن ثقافات وشعوب وعادات أخرى في عصور أخرى، منها اللي جزء من البحث اللي المفروض يعمله المترجم أثناء الشغل، ومنها اللي كان صدفة لكن أضاف للواحد معلومات أكثر من أن تُحصى.
والرواية الخامسة «رقصة مع التنانين» شغَّال عليها على قدمٍ وساق علشان مش تطلع في أحسن مستوى بس، لأ، تطلع بمستوى أحسن من الأربعة اللي قبلها.
 أنا كمان اتعرَّفت على أصدقاء من جميع أنحاء العالم وبقينا بنتكلِّم كل يوم تقريبًا في مختلف الحاجات، ونبعت لبعض بطاقات بريديَّة، ونتبادل التهاني والتعازي، ونتبسط مع بعض بالحلو في المسلسل ونشتم مع بعض في الوحش.
فرغم كل شيء، شكرًا «Game of Thrones» على التجربة وعلى الرحلة. أنا ممتن إني كنت جزء من التجربة العالميَّة دي.



الأربعاء، 15 مايو 2019

ملاحظات على الحلقة الخامسة من «Game of Thrones»


 الموسم الأخير، الحلقة الخامسة، «The Bells»



حيرة بين «هو ده اللي كنت عايزه يحصل» و«ما بُني على باطل فهو باطل».
من ناحية، زي ما قلت في ملاحظاتي على الحلقة الرابعة، أنا حابب جدًّا فكرة إن شخصيَّة بتتبني على مر السنين باعتبارها شخصيَّة بطل تنقلب لشخصيَّة الشرِّير، بالبلدي اللي تفتكره موسى يطلع فرعون، لكن -طبعًا- بشرط الانقلاب ده يكون منطقي ومتمهِّد له. نفس الكلام عن شخصيَّة الشرِّير اللي بتتحوِّل لبطل وبرضه بشكل منطقي ومتمهِّد له. هتكلِّم هنا تاني عن «Star Wars»، وتحوُّل آناكين سكايووكر المنقذ المنتظر للشرِّير دارث ڤيدر اللي بيقتل الأطفال وبيرتكب مذبحة جماعيَّة في الجزء الثالث من الثلاثيَّة الثانية، ورغم إني شايف بشكل شخصي «Revenge of the Sith» فيلم رديء إجمالًا، والتحوُّل ما كانش مقنع للدرجة، لكن على الأقل على مر الفيلمين اللي قبله كان فيه شد وجذب بين جانبين النور والظلام من «الطاقة»، وفي النهاية رجحت كفَّة جانب الظلام وآناكين استسلم له.
وده العيب الأكبر في الحلقة، اللي كانت -باستثناء حاجات تانية قليلة- رائعة بكل المقاييس.
وأصل المشكلة هو نفسه اللي عانى منه المسلسل في آخر موسمين: الاستعجال الشديد، والاستعجال الشديد عمره ما بيؤدي لنتائج مُرضية أو مُقنعة. النَّط من نقطة في الحبكة للنقطة اللي بعدها بغض النظر عن منطقيَّة الرابط بين النقطتين من عدمها، وده بيخلِّي تعطيل عدم التصديق عند الواحد صعب. فيه فرق بين التمهيد لحاجة وإبراز الصراع الداخلي للشخصيَّة وبين إن الحاجة تحصل فجأة من غير تمهيد مقنع. اللي بيفهم سينما المفروض فاهم إن الإنذار (Foreshadowing) غير بناء الشخصيَّة (Character building).
في المشاهدة الأولى كرهت اللي حصل جدًّا لأني ما كنتش مصدَّق اللي بيحصل. مش قصدي إني مش مصدَّقه لأني مذهول، مش مصدَّقه لأني مش مقتنع، لأن مهما قالوا إن اللي دنيرس عملته جزء من شخصيَّتها ومنطقي أنا مش مصدَّق ولا مقتنع، لأن ما كانش فيه تمهيد كفاية للتحوُّل ده، وكل السوابق اللي بيستشهدوا بيها في ماضيها لا تدل على «الجنون». الجنون مش بيشتغل كده! ما فيش إنسان بيتحوِّل في أيام من مدافع عن الأبرياء لحارق للأبرياء! لو اتكلِّمنا بشكل علمي بحت عن حالة دنيرس، وأنا مش خبير في علم النفس لكن عندي وعي لا بأس بيه بمواضيعه بشكل عام (شكرًا للثانويَّة العامَّة و«Frasier»)، فأقصى ما يُمكن أن يقال عنها إن اللي بتعاني منه اسمه «غضب نرجسي». في الحالة دي ممكن أقتنع شويَّة، لأن دنيرس بدون شك شخصيَّة نرجسيَّة اتعرَّضت للاستهانة والنبذ وما إلى ذلك، لكن الشخصيَّة النرجسيَّة لما بتغضب مش بتصب غضبها على ناس ما تعرفهمش، إنما على اللي جرحوا كبرياءها وحسِّسوها بالدونيَّة.
اعتراضي الأكبر على الحلقة إن ما فيش أي حاجة في تاريخ دنيرس -اللي جزء كبير منه كان دموي- بتقول إنها قادرة على ارتكاب مذبحة جماعيَّة في ناس لا تعرفهم ولا يعرفوها. راجع كل تصرُّفاتها قبل كده وقل لي إيه فيها بيوحي بقدرتها على قتل عشرات الآلاف من الأبرباء. Dumb&Dumber بيستشهدوا -بس- برد فعلها البارد على قتل دروجو لأخوها... أخوها اللي كان بيضربها ويمتهنها، اللي قال لها عنده استعداد يسيب 40 ألف دوثراكي وخيولهم ينيكوها مقابل يوصل للي عايزه، اللي عاملها كشيء مملوك له، اللي حاول يسرقها، اللي حط طرف سيفه على بطنها وهي حامل! لو عايز تستشهد بميري ماز دور، فالمشعوذة خلِّت دروجو جثَّة حيَّة وقتلت ابنهم، ورغم إنه كان انتقام مستحق لميري فمن وجهة نظر دنيرس هي خيانة ليها. لو عايز تستشهد باللي عملته في أستاپور، فهي قضت على النخَّاسين اللي بيتاجروا بالأطفال، وأوامرها كانت صريحة: اقتلوا الأسياد والجنود فقط. لو عايز تستشهد باللي عملته مع الأسياد في ميرين، فده كان حرفيًّا العين بالعين: 136 من الأسياد مقابل 136 من الأطفال المصلوبين. لو عايز تستشهد بإعدام راندل وديكون تارلي، فافتكر إنها اشترطت عليهم الاستسلام أو الموت، وديكون تحديدًا اختار الموت مع أبوه. تفتكر لو كان ستانيس اللي عمل كده -ومليون في المية ستانيس يعمل كده- كنا هنقول عليه مجنون؟ مش بقول إن كان عندها حق في ده بالضرورة، لكن قرارها ما كانش مندفع أو متهوِّر.
ولو الفكرة إنها فقدت أتباعها المخلصين اللي كانوا بيكبحوا جماحها، فأنا مش فاكر إلا مشهد واحد چورا أقنعها فيه بالعدول عن قرار دموي (كان موجَّه ضد النخَّاسين برضه مش الأبرياء)، ومش فاكر ولا مشهد ميسانداي لعبت فيه أي دور من النوع ده. وهي مش لسا عندها تيريون؟ وجراي وورم؟ والأهم چون؟ أصلًا ليه شخصيَّة چون بقت مخصيَّة دراميًّا للدرجة دي؟ ما فيش مرَّة واحدة شوفناه بيراجعها في أي حاجة أو يحاول يقنعها بعكس اللي عايزة تعمله. چون أصبح شخصيَّة ممسوخة للغاية، مش بيقول إلا إنها ملكته وإنه بيحبَّها وإنه مش عايز العرش... وبس كده. وهل رفض چون إنه يستمر في علاقة محرَّمة معاها سبب كفاية إنها تختار الخوف؟ هل الرسالة إن الأنثى اللي حبيبها بيرفضها بتتجنِّن؟ أنا لا فيمنست ولا من محاربي العدالة الاجتماعيَّة ولا الكلام الفارغ اللي مغرَّق الإنترنت وفاشخ هوليوود بقاله كام سنة، لكن مش مقتنع!
أيوه، تصرُّفاتها أحيانًا بتجنح للقسوة، وأحيانًا كانت فيه بدائل ما أخذتش بيها، لكن كلها كان موجَّه ناحية أعداء مش أبرياء.
أمَّا لو كانوا فردوا مساحة كافية للتطوُّر الدرامي ده، لو كانوا خدوا وقتهم علشان يورُّونا انحدار دنيرس في هاوية الجنون بشكل مقنع -ودي حاجة بتاخد سنين مش أيام ولا أسابيع لمن لا يعلم- كان المشهد الأيقوني ده هيكون مقنع جدًّا ومبلوع جدًّا ومبرَّر جدًّا. مؤسف إن أفضل تمثيل لإميليا كلارك من بداية المسلسل جه في أسوأ لحظة لدنيرس. كان ممكن لو إدوا لنفسهم فرصة كتابة حبكة مقنعة نشوف دنيرس بترتكب جريمة واحدة حقيقيَّة على الأقل قبل كده تخلِّي الواحد يبلع شويَّة فكرة إنها «الملكة المجنونة» دلوقت.
ولمن لا يعلم، من أرخص الحيل الدراميَّة إنك ككاتب تخلِّي الشخصيَّة بتاعتك ترتكب جريمة ويكون تبريرك الوحيد إنها «مجنونة بنت مجانين». لو عايز ترتكز على تاريخ عائلة تارجاريَن فحتى الجنون عندهم ليه مبرِّرات ودوافع. إيرس ما اتقلبش الملك المجنون بين يوم وليلة، الانحدار أخد معاه سنين لحد ما وصل للي وصل له. اللي قرأ «وليمة للغِربان» عارف التفاصيل دي، واللي ما لهوش في القراءة عارف على الأقل من المسلسل إن إيرس لمَّا قرَّر يحرق كينجز لاندنج كان بناءً على الفكرة المجنونة إنه لو مات فهيتولد من جديد في صورة تنِّين (راجع مشهد چايمي وبِريان في حمَّامات هارنهال). لكن دنيرس اللي حرَّرت مئات الآلاف من العبيد وانتقمت لهم، اللي ما أعدمتش چورا اللي خانها، ولا تيريون ابن العائلة اللي دمَّرت عائلتها، اللي حبست تنانينها في مقبرة علشان واحد منهم قتل طفلة واحدة، اللي فضَّلت تقاتل الوايت ووكرز اللي بيهدِّدوا شعبها كله بالفناء على الاستيلاء على العرش، مش دي دنيرس اللي في الحلقة الخامسة، ما هياش التطوُّر الطبيعي للشخصيَّة دي... لأنها مكتوبة بشكل مستعجل ورديء.
تاني، أنا محبِّذ للفكرة جدًّا، لكن التنفيذ في غاية السوء.
بعد المشاهدة الثانية، وبعد ما ركنت الفكرة دي على جنب وقلت أخلِّيني في السياق الداخلي للحلقة بعيدًا عن السياق العام للقصَّة (وده أصلًا مش سليم بس جرَّبته)، لقيت الحلقة من أفضل ما خرج من المسلسل على الإطلاق. يمكن أفضل حلقة أخرجها ميجل ساپوتشنيك في رأيي، والسبب إني بعدها لقيت نفسي مش قادر على مشاهدة ثالثة، مش في وقت قريب على الأقل. على عكس الحلقة الرابعة، ما كنتش عايز أشوفها تاني بدافع الملل، لكن الحلقة دي مش عايز أشوفها تاني لأنها سبِّبت عندي نفس المشاعر بتاعت الزفاف الأحمر، إني مش عايز أتفرَّج على مذبحة مؤلمة. في رأيي دي نقطة قوَّة للحلقة.
يا ريتها بس كانت نقطة قوَّة مبنيَّة على قاعدة قويَّة.
وطبعًا إحنا كجمهور أصبحنا متعوِّدين جدًّا على مشاهد دمار المُدن في عشرات الأفلام، فكونهم ينجحوا في تقديم مشهد مشابه يا دوب الفرق فيه بينه وبين غيره إن بدل السفينة الفضائيَّة بتدمَّر البيت الأبيض فيه تنِّين بيدمَّر القلعة الحمراء... ده إنجاز، لأني كنت منغمس جدًّا ومتفاعل جدًّا رغم إني اتفرَّجت على حاجات شبيهة بالهبل وما عادش ليها أي تأثير عليَّ. كتَّر خيره رولاند إميريك لوحده دمَّر الكوكب كله في خمس أفلام تقريبًا بأشكال مختلفة، والموضوع أصبح ممل فشخ، فتحيَّة لساپوتشنيك على الإخراج الرائع.

ڤارس وتيريون
أقدر أقول إن نهايته كانت أفضل من نهاية ليتل فينجر، لكن مش بفرق كبير. ڤارس، العنكبوت، سيِّد الأسرار، بيتآمر بشكل مفتوح على ملكته في قلعتها وبيناقش تسميمها مع واحدة من طيوره الصغيرة في أوضة مفتوحة! شوية اتساق بس مع الشخصيَّة وكان الموضوع هيكون مبلوع أكثر والله. ثم إني مش فاهم دنيرس أعدمته على أي أساس. كل اللي اتقال على الشاشة معناه إن الخيانة مشتركة بينه وبين چون وتيريون وسانزا، وما فيش حاجة اتقالت أو حصلت أوحت بإن دنيرس عرفت إنه كان بيحاول يسمِّمها، أو حتى عرفت إنه أرسل رسائل للوردات البلاد عن حقيقة چون (اللوردات اللي فجأة أصبحوا مهمِّين تاني بعد تجاهل أهميتهم الضخمة في عالم زي ده لمدة موسمين على الأقل). من مشاكل الموسم ده إن حاجات كتير مهمَّة بتحصل off-screen وسايبين لنا الرابط بينها وبين اللي بيحصل على الشاشة رغم إنه رابط واهي، وكل ما تفكَّر فيه ممكن تلاقيه مش موجود أصلًا. بنفس منطق إعدام ڤارس فالمفروض كانت تعدم تيريون!
وإيه مبرِّر ڤارس إنه يخونها أصلًا؟ معلش، بشكل واقعي هي لحد المعركة ما عملتش أي حاجة تستدعي الخيانة، ومش مبرِّر نقول إنه عارف إنها هتهجم على المدينة، لأن الطبيعي إنها تهجم على المدينة! دي حرب! كام حرب بتتكسب بعدم الهجوم على العدو؟!
لكن رغم كده كان مشهد الوداع بينه وبين تيريون مؤثِّر.
وبالنسبة لتيريون فأنا متردِّد دلوقت بين وصفه بالغباء المبني على متطلبات الحبكة، وبين كونه في حالة إنكار، إنه رافض يصدَّق إن القائد اللي آمن بيه أخيرًا بعد كل اللي شافه يتَّضح إنه مش مختلف كتير عن غيره. ومع ذلك تصرُّفاته بتقول عكس كده.

چايمي وسرسي
مدركين إن سرسي فعليًّا ما عملتش أي حاجة الموسم ده؟ إنها ظهورها على مدار الموسم على الشاعة مجمله أقل من 30 دقيقة؟
مدركين إن بناء شخصيَّة سرسي ما يخلِّيهاش تستسلم أبدًا ولو الهزيمة مؤكَّدة فهي هتهدم المعبد على رؤوس الجميع؟ الشخصيَّة دي مش هتدمَّر المدينة عن آخرها وتسيبها لدنيرس رماد؟ فعلًا؟ دي مش خيبة أمل في نظريات أو توقُّعات طلعت مش سليمة، ده توقُّع منطقي كان عندنا كلنا تقريبًا بناءً على الشخصيَّة!
وچايمي... على أد ما حاسس بخيبة الأمل في اللي حصل معاه، لكن مقدرش أقول إنه مش سليم دراميًّا. هو ده الإدمان، واللي تخلَّى عن المخدِّرات تمامًا ممكن يرجع لها تاني لأي سبب، ومخدِّر چايمي هو سرسي. نهايتهم مع بعض كانت متوقَّعة تمامًا، وما عنديش اعتراض عليها. في المرحلة دي كان صعب تتصوَّر يبقى هدف چايمي إنه يقتل أخته الحامل في طفله. يا إمَّا كان هيحاول يقنعها بالاستسلام (واتَّضح إن ده مش هدفه)، يا إمَّا رايح يموت معاها (وده هدفه وجزء من شخصيته ممهَّد ليه من زمان).
اللي ما كانش ليه أي لازمة هو قتاله مع يورون، اللي بمعجزةٍ ما سبح لنفس النقطة اللي وصل لها وچايمي في نفس اللحظة. أولًا يورون شخصيَّة كارتون مالهاش أي عُمق، ثانيًا مزعج فشخ، ثالثًا مين مهتم بيه أصلًا؟ ورابعًا المونتاچ بتاع القتال كان زي الزفت، قطع قطع قطع قطع قطع بتاع 20 مرَّة، وفي الآخر تقريبًا كسر الحائط الرابع وكان ناقص يغمز للكاميرا. ترجيع!
وداع تيريون وچايمي أفضل مشاهد الحلقة على الإطلاق... لكن للأسف ما سابوناش نتهنَّى بيه إلا بعد ما دمَّروا جزء مهم من چايمي، وبأثر رجعي فشخوا واحد من أحلى مشاهد الموسم الثالث، لمَّا قال إنه عمره ما كان مهتم بأهل المدينة. الكلام مش محتاج شرح ولا تفصيل.

آريا وساندور
لسببٍ ما كنت متفاعل جدًّا مع مشاهد آريا في المدينة رغم درع الحبكة الثقيلة جدًّا اللي لابساها. فعلًا كمشاهدين ما كناش هنتفاعل مع مشاهد الدمار لو كانت من وجهة نظر شخصيَّة ما نعرفهاش، ده لو تغاضينا عن نجاتها المستحيلة مرَّة بعد مرَّة بعد مرَّة من مواقف مميتة (لأنها باتمان طبعًا وتدريبها وكل الكلام اللي النورميز بيردِّدوه ده. بس أنا مش فاكر في أي حلقة اتدرَّبت على إنها تكون منيعة ضد نار التنانين). الغريب إن الكلام اللي دار بينها وبين ساندور كان ممكن يتقال قبل ما يدخلوا المدينة أصلًا. بغض النظر عن إن جيش الشمال سبقها هي وساندور للمدينة رغم إنهم اتحرَّكوا قبله (!) كان ممكن المحادثة دي تدور بينهم في أي مكان. كونها دارت في القلعة المنهارة إداني رسالة إن الانتقام وحش بس لو هتموت بسببه، أمَّا لو هتفضل عايش فإشطة انتقم ودمَّر زي ما تحب! ودلوقت بس جاية آريا تتخلَّى عن الانتقام؟ بعد ما ارتكبت مقتلة جماعيَّة من ضمن اللي ارتكبته حتى لو كانت بتنتقم عن حق؟ معلش، مش شاري.
والكلام اللي قاله ساندور للجندي عن عدم ضرورة الحرب والحصار إلخ، مش ده كلام كان ممكن يتقال قبل كده ويغنيهم فعلًا عن المعركة؟
قتال ساندور وجريجور عمري ما كنت مهتم بيه أصلًا، لأن المفروض كانت قصة ساندور عن تخلِّيه عن الغضب والانتقام، خصوصًا من شخص ما عادش حي أصلًا. وبالمناسبة دي، ليه كايبرن ما عملش جيش كامل من الجبال؟ ده أقوى من ملك الليل!
وداعًا كايبرن، موتة كوميدية لكن كنت مخلص لملكتك للحظة الأخيرة. للأسف مش هنعرف رجَّعت جريجور للحياة إزاي، ولا كنت بتعمل إيه في هارنهال مع الشماليِّين وقت ما روب ستارك لقاك.

ملاحظات أخيرة:
- فجأة الأجراس أصبحت علامة على الاستسلام. أظن داڤوس كان بيخرَّف لمَّا قال إن الأجراس مش علامة على الاستسلام ليلة معركة بلاكووتر.
- يبدو إن رؤية دنيرس في بيت الخالدين اتحققت، واتحسمت مسألة إن اللي في قاعة العرش رماد مش ثلج. الغريب إن في سيناريو الحلقة الأخيرة من الموسم الثاني اللي اتنشر من كام سنة كان بيقول بوضوح إنه ثلج، فهل غيَّروا خططهم بعد كده؟ ولو غيَّروها يبقى فيه أسئلة كتير مطروحة هنا.
- مش هعلَّق على السهولة اللي دنيرس دمَّرت بيها الأسطول الألف سفينة (أو 100 سفينة حسب اللي ظهر على الشاشة)، ولا السهولة اللي دمَّرت بيها دفاعات المدينة. مش هعلَّق على الجزء الخاص بجيش صلاح الدين... أقصد الجماعة الذهبيَّة اللي هي المفروض تتويج لخيط الدين للمصرف الحديدي اللي بادئ من الموسم الأول. بتساءل بس هي استنِّت ليه السنين دي كلها في بناء جيوش بينما كان تنِّين واحد كفاية؟ طبعًا التنِّين قدراته واحتماله معتمدة بشكل بحت على اللي بتحتاجه الحبكة وبتتغيَّر حسبه.
- طبيعي طبعًا إن جراي وورم هو اللي يقتل هاري ستريكلاند. إحنا عارفين إنه بيحارب دايمًا وسط صفوف الدوثراكي، وعارفين العداوة بين الشخصيتين من الموسم الأول.
- قلت كذا مرَّة إنهم عملوا من آريا باتمان، والحلقة دي فكَّرتني جدًّا بمشهد بروس واين في دمار متبروپوليس في بداية «Batman v Superman»، فلمَّا يحطُّوا في الحلقة شخصيَّة اسمها مارثا... :D
- أفضل تنويع على التيمة الموسيقيَّة للشمال كان في مشهد الحلقة الأخير. بس الحقيقة إني مش فاهم إيه رمزية الحصان اللي ظهر فجأة، وهل كونه رمز للموت في سِفر رؤيا يوحنا:  فَرَأَيْتُ حِصَاناً لَوْنُهُ أَخْضَرُ «بَاهِتُ اللَّوْنِ»، اسْمُ رَاكِبِهِ «الْمَوْتُ» يَتْبَعُهُ حِصَانٌ آخَرُ اسْمُ رَاكِبِهِ «الْهَاوِيَةُ»، وَأُعْطِيَا سُلْطَةَ إِبَادَةِ رُبْعِ الأَرْضِ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَاءِ وَوُحُوشِ الأَرْضِ الضَّارِيَةِ! لو آريا تخلَّت عن فكرة الانتقام وإنها رسول الموت، فإيه محل الرمز ده من الإعراب هنا؟ عن نفسي ما أظنش إنها اتخلِّت عنها بالكامل. مش هي اللي هتروح تقتل دنيرس دلوقت؟ دنيرس اللي بقدرة قادر بقت عينها لونها أخضر في الكام حلقة اللي فاتت؟
- أكثر مشهد مؤلم في الحلقة هو الفظائع اللي ارتكبها الشماليِّين، لكن ده منطقي تمامًا، وحتى المسلسل جاب قبل كده سيرة «شهوة الدم» اللي بتنتاب الجنود، تحديدًا اللي بيغزوا مدينة ما. حتى تصرُّف جراي وورم منطقي، لأن سبق وقال چورا إن المطهَّرين بيطيعوا الأوامر بشكل أعمى، فما داموا شافوا ملكتهم بتحرق وتقتل فدي إشارة ليهم إنهم يعملوا زيَّها. لكن أنا فعلًا اتنقلت من اللا مبالاة بجراي وورم لكراهيته، وتخميني إن چون هو اللي هيقتله. كان بينهم على مدى الحلقة نظرتين أو ثلاثة بيقولوا كده.
- فاضل حلقة واحدة ونخلص. للأسف الكتابة الزبالة نقلت الواحد من الحزن على نهاية المسلسل للرغبة في نهايته، ومش فاضل عند الواحد غير العودة للأساس الروائي الرائع اللي Dumb&Dumber ما اتعلِّموش منه إلا أقل القليل. حتى بعد ما تجاوزوا الكُتب اتَّضح إنهم مش فاهمين أكثر الشخصيَّات اللي بيكتبوها. الغلط موزَّع عليهم وعلى مارتن طبعًا.
- أقسم بالله أحلى ما بنطلع بيه من الحلقات هو الميمز.
- لكل اللي بيسألوا: «رقصة مع التنانين» هتصدر نهاية السنة زي كل سنة.

الخميس، 9 مايو 2019

ملاحظات على الحلقة الرابعة من «Game of Thrones»



الموسم الأخير، الحلقة الرابعة، «The Last of the Starks»



لسببٍ ما كان فيه مشكلة في التليفزيون بتاعي ومش راضي يشغَّل الحلقة، فقرَّرت ومُصر يشغَّل بس فيلم من نوعية الهاي سكول دراما أو كام حلقة من مسلسل سيت كوم. كانت حاجات مسلِّية في مجملها في الحقيقة، لكن ما فيهاش تميُّز أو ذكاء خاص في النوعيَّة دي من الأعمال، لأنها اتقدِّمت مئات المرَّات قبل كده. يعني، واحد بينام مع واحدة مرَّة وبعدها يروح يفتن لواحد تاني، نفس اللي نام مع الواحدة دي مرَّة واحدة بقت حبيبة عمره وعايز يتجوّزها، واحد تاني عايز ينام مع واحدة تانية فعلشان يخلع هدومه بيتحجَّج بإن الجو حر، واحدة تحلف إنها تكتم سر وبعد 10 دقايق تحكي السر، واحد بيعيَّط علشان اللي بيحبَّها رفضته وبعد ثواني تظهر واحدة عايزة تنام معاه فيرجع سعيد. أشياء من هذا القبيل بتظهر في كل أعمال كوميديا الموقف ودراما المدارس الثانويَّة.
وبعدين أخدت بالي إن هي دي الحلقة.
وبعدين يبدو إن الحلقة اللي بعدها استرَّبت بدري، لأني لقيت الأحداث اتنقلت نقلة مفاجئة سريعة جدًّا.
خلِّيني واضح. الحلقة فيها مشاكل في الكتابة لكن فيها كتابة ممتازة. مشكلة الحلقة الأكبر هي الإيقاع، والعجلة الشديدة اللي واضحة في تقفيل القصَّة، اللي كان ممكن تتفرد على موسم 10 حلقات بالمستريح. حجَّة إن الإيقاع لازم يكون سريع علشان الوقت محدود مش حجَّة أصلًا لأن ده اختيارهم، واختيارهم خاطئ، وده مخلِّي الثمن منطقية تسلسل الأحداث، والتضحية بالسلامة الدرامية لخيوط كانت محتاجة تستوي على كذا حلقة زي أي خط درامي ناجح عرفناه في المسلسل، والثمن كمان استمتاعنا بالمشاهدة، وتركيزنا أكثر على الثغرات اللي تعدِّي جيش الموتى بأكمله من التركيز على الجيِّد.
لكن بداية الحلقة كانت ممتازة ومؤثِّرة جدًّا. الملاحظة اللي عندي إن منظر الجنازة مش بيدل أبدًا على إن فيه عشرات الآلاف من الموتى. المفروض إن فيه جيش الموتى بالكامل، زائد كل اللي سقطوا من البشر. اللي فهمته إنها جنازة للبشر فقط، لكن ده بيستدعي في دماغي تساؤلات عن اللي عملوه بجيش الموتى، وإزاي عرفوا يفرَّقوا بين الجثث دي والجثث اللي مش هياكل عظمية، وهل التنانين حرقت موتى ملك الليل، إلخ... مش حاجة مهمَّة لكن فكَّرت فيها.
اللي بحاول ما أفكَّرش فيه إن بعد الاجتياح اللي حصل في الحلقة اللي فاتت خسروا نُص أعدادهم بس. مش فاهم الدوثراكي نُصهم لسا عايش إزاي، وهل الكلام نفسه ينطبق على خيولهم، ومش فاهم نفس الكلام مع المطهَّرين أو الشماليِّين. الأعداد عامةً متضاربة من الموسم اللي فات. چون كان بيقول فيه 10 آلاف شمالي وسانزا بتقول 20 ألف، وجيش المطهَّرين اللي المفروض كان 8 آلاف مات منهم مئات في ميرين شكله تضاعف وهو واقف عند أسوار كينجز لاندنج. الدوثراكي يا 40 ألف يا 100 ألف، لكن أعدادهم اللي شوفناها في المعركة كانت أقل من كده مرارًا.
بعيدًا عن كتابة أفلام المراهقين، الحاجات الكويسة اللي طلعت بيها من مشاهد الاحتفال، إن كان لطيف نشوف الشخصيَّات دي بتضحك وتهزَّر وتحتفل بالحياة بعد نجاتها -غير المقنِعة- من موت أكيد. تورموند مسخرة. تيريون وچايمي في لحظة صفاء نادرة، كذلك بِريان. كلام داڤوس وتيريون عن مليساندرا وإله الضياء، وداڤوس كان دائمًا صوت المُشاهد العادي اللي بيطرح الأسئلة دي. كلام تيريون وبران اللي كنت أتمنَّى يطول عن كده، واللي بيخلِّيني أتساءل إيه لازمة بران كشخصيَّة في القصَّة دلوقت. دول حتى ما حاولوش يستفيدوا بقدراته في معرفة أي حاجة عن خطط سرسي أو تحصينات المدينة أو أعداد جيوشها.
مشهد سانزا وساندور عجبني... لحد ما قالت إن لولا اللي حصل لها كانت فضلت ضعيفة. أنا مدرك هم عايزين يقولوا إيه، إن المعاناة بتخلِّي الإنسان أقوى وما إلى ذلك، لكن النظرية صح والتطبيق غلط. كأن سانزا بتقول إن اغتصابها من رامزي خلَّاها أقوى، وده وقعه على الأذن مش مريح، وأظن فيه تبسيط هائل لحاجة بشعة زي الاغتصاب. مشكلتي مع سانزا إن مش معنى إنها أصبحت شكَّاكة لا تثق بأحد إنها قويَّة. الارتياب مش معناه القوَّة. هي سانزا جابت قوَّة منين أصلًا؟ كل حاجة وصلت لها كانت بمساعدة آخرين مش بإيدها هي. بايلش هو اللي قتل چوفري وأنقذها من كينجز لاندنج، ثيون هو اللي أنقذها من رامزي، چون وبايلش هم اللي قضوا على رامزي، بران هو اللي ساعدها في حل الأزمة مع آريا والخلاص من بايلش. الشخصيَّة دلوقت أفضل من زمان بكتير من غير شك، لكن سانزا مش قويَّة لأنها استحقت القوَّة لأنها انتزعتها بإيدها، سانزا ما عملتش أي حاجة بنفسها غير إنها تتلاعب بده وده. هي لاعب فاعل في لعبة العروش دلوقت، لكن مش لمجرَّد إنها كانت ضحيَّة قبل كده ضروري إني أشوفها شخصيَّة تستحق أوافق على أفعالها، بالذات بالاشتراك مع آريا في موضوع دنيرس. فعلًا السبب الوحيد اللي اتقال لعدم ثقتهم بيها إنها مش منهم، وده سبب سخيف! كل حاجة تانية عملتها دنيرس كانت في مصلحتهم، وباستثناء إنها بتتعامل بتعالي فهي أدِّت واجبها. وهل لو چون قعد على العرش الحديدي هتتنازل سانزا عن فكرة استقلال الشمال؟
ده طبعًا لا ينفي إن سانزا رأيها سليم في مسألة ضرورة استراحة الجيش قبل دخول معركة جديدة. تسرُّع داني هنا غير مبرَّر، خصوصًا إن هدفها هو العاصمة فقط، وباقي وستروس أكثره منقلب بالفعل على سرسي. ليه ما يكونش فيه تنسيق مع أمير دورن الجديد اللي أعلن مساندته؟ الدورنيين عندهم جيش قوي جدًّا وكانوا بعيد عن كل المعارك. بما إن كوينتن مارتل مش في المسلسل، فأظن إنه غالبًا حد من عائلة يرونوود، ثاني أقوى عائلة في دورن، لكن أظن ده مش مهم أصلًا لأن مستبعد دورن يرجع يكون لها دور في الأحداث دلوقت.
بالنسبة لمشهد شرعنة جندري، كذا حاجة. المشهد متقدِّم كأنه حركة صايعة من دنيرس، لكن خلينا نتساءل إيه قيمة ستورمز إند حاليًّا؟ ستورمز إند اللي هي لسا مش تحت سيطرتها أصلًا، يعني لقب جندري فارغ. أظن كل قوَّات ستورمز إند كانت مع ستانيس وشبه اتدمَّرت بالكامل، وحتى لو فاضل حامية رمزيَّة سابها ستانيس في القلعة (وليه تكون فيه حامية في ستورمز إند ودراجونستون لأ؟)، فهي مش قوَّة عظيمة على كل حال. وهل دنيرس مدركة إنها بالطريقة دي طرحت احتمال منافسة جندري على الأحقيَّة بالعرش باعتباره دلوقت ابن شرعي للملك اللي أخد العرش بحق الغزو؟ وكمان، جندري بيقول إن اسمه جندري ريڤرز. كقاعدة، النُّغول يا إما بياخدوا اسم المنطقة اللي اتولدوا فيها لو معترَف بيهم، يا بيكون ليهم اسم واحد بس. جندري قال قبل كده إنه مولود في فلي بوتوم في كينجز لاندنج، يعني المفروض يكون جندري ووترز، ولو روبرت كان اعترف بيه كان هيبقى ووترز. ريڤرز اسم النُّغول المولودين في أراضي النهر! فيه حاجة اسمها ويكيپيديا ممكن يراجعوا منها معلوماتهم على فكرة!
عجبني إن آريا مش ماليها الغرور بعد ما قتلت ملك الليل وإنها مش شايفة نفسها بطلة. الحقيقة فكَّرتني بكلام ثور عن ثانوس في «Infinity War»، إنه على جبروته مجرَّد عدو واحد مش الأول ولا الأخير. أتمنَّى نشوف مشهد واحد كمان على الأقل ليها مع ساندور على الطريق على سبيل الأيام الخوالي، وأتمنى يكون مشهد يضيف حاجة للقصَّة. مش هقول حاجة عن مواجهة ساندور وجريجور المنتظَرة لأني فعلًا مش مهتم، وشايفها تضييع كبير لفرصة تطوير شخصيَّة ساندور.
طبعًا كلنا متَّفقين على كراهيتنا للطريقة اللي ختموا بيها جوست في المسلسل. بيقولوا إن السبب الوقت الطويل اللي بياخده الشغل على المؤثِّرات الخاصة للذئب مع ممثِّل. أحب أقول لهم إن كان ممكن يستغنوا عن مشهد مالوش لازمة في الحلقة زي دنيرس وهي مع ريجال ودروجون وبتعمل حاجة شوفناها عشرات المرَّات (بتطير بالتنين! واو!)، ونفهم من الحوار إن ريجال مصاب ومحتاج وقت على ما يسترد قوته زي ما چون قال، في سبيل إننا نشوف لحظة ليها معنى، لحظة التخلِّي عنها استخفاف شديد بعلاقة چون وجوست، وبمشهد العثور على جراء الذئاب الرهيبة في الثلوج، اللي كان أول مشهد خطر لمارتن على الإطلاق ومنه طلع كووووول العالم ده. عيب، عيب جدًّا.
مش عارف إن كانت دي آخر مرَّة هنشوف سام ومش مهتم. لاحظ بس إن الشخص العبقري ده أخد حبيبته الحامل لنهاية العالم حرفيًّا، وغير كده ما أضافش أي حاجة للقصة غير إنه قال لإجون تارجاريَن حقيقته، حاجة كان ممكن بران يعملها. لكن مشهد الوداع بين چون وتورموند بيوحي لي إن چون في النهاية هيرجع يعيش في الشمال (الحقيقي) وراء الجِدار. كلام تورموند بيقول لي كده، ويمكن ده ما يكونش الوداع بين چون وجوست.
أمَّا مشهد موت ريجال فصدمني. السبب إني كنت بقول لنفسي باستهانة إن طبعًا المرَّة دي كمان دنيرس ما بعتتش قوَّة تسبقها لاستطلاع دراجونستون والاطمئنان لأمانها، زي ما أي حد عاقل المفروض يعمل، وهو اللي كان المفروض تعمله قبل رسوها في دراجونستون أول مرة، لكن لحسن حظَّها ما فيش كان حد كامن لها يقتلها، رغم إن سرسي كانت عارفة إنها هترسو في دراجونستون اللي على بعد مرمى حجر من كينجز لاندنج. المرَّة دي دنيرس اتعاملت بالغباء نفسه ونسيت أسطول يورون على حد تعبير الكُتَّاب بمنتهى الصفاقة. نسيت! أسطول يورون السحري مش بيتنقل لأي مكان عايزاه الحبكة على الخريطة وبس، لأ خفي كمان. سُفن تارجاريَن ترسو في بقعة المفروض تكون مواجهاه مباشرةً وما حدش شافه، ودنيرس في الجو والبحر مفتوح والقذائب بتيجي من مواجهتها مباشرةً وما شافتش يورون. علشان كده كان المشهد صادم أول مرَّة، وبعدها أصبح مشهد سخيف. بعيدًا عن الكلام اللي في الكُتب (إن تنِّين واحد في التاريخ كله قُتل في الجو بضربة واحد في المليون)، ليه التنانين ضعيفة كده في المسلسل؟ اللي هي السلاح المبني على إنه أكثر حاجة رهيبة في العالم؟ التنانين ضعيفة علشان المؤثِّرات بتاعتها مكلِّفة. الغريب إنهم أصابوا ريجال بـ3 قذائف متتالية لكن ما صوِّبوش على دروجون في الوقت نفسه رغم عدد السُّفن وقُرب المسافة بين ريجال ودروجون، ونجاة دروجون من القذائف اللي انضربت عليه بلح، وإن دنيرس ما دارتش حوالن السفن وحرقتها من الخلف بلح، وإن يورون ما سابش جنود على الشاطئ تصطاد الناجين من السفن بلح.
عن دنيرس مش هقول كلام كتير. إحنا دلوقت مجبَرين نقبل التحوُّل السريييييع لشخصيتها للجنون لأن الوقت قليل، مع إن ما فيش حاجة عملتها قبل كده تدل على الجنون. ارتكبت أفعال قاسية واتسرَّعت آه، لكن كل حاجة من دي ليها مبرِّر سليم. دلوقت فجأة عايزين نترجم غضبها الطبيعي في وضعها ده لجنون، ونتقبَّل إنها villain. الفكرة نفسها جذَّابة بالنسبة لي، فكرة إنك تكتشف إن الشخصيَّة اللي بتتبنى على مر السنين مش شخصيَّة بطل، لكن التنفيذ متعجِّل لدرجة إني مش مصدَّق ده ومش مقتنع بيه. ثم إن كل حاجة قالتها في الحلقة تقريبًا منطقيَّة! وليه بعد كل اللي حرقهم ستانيس وآخرهم بنته ما قلناش ستانيس ملك مجنون؟ هو كمان كان مؤمن جدًّا بحقُّه في العرش وده هدفه الوحيد وكان قاسي مع الأعداء! 
عن چون، لو ڤارس نجح في التخلُّص من دنيرس، هل هو عامل حسابه على الدوثراكي والمطهَّرين اللي ولاؤهم بالأساس لدنيرس؟ مش لأي وريث شرعي أو غير شرعي؟ هل عامل حسابه إنهم ممكن يقضوا على جيش الشماليِّين ببساطة؟
لكن الحقيقة الحوارين بين ڤارس وتيريون كانوا أفضل ما في الحلقة. أخيرًا حوار زي زمان، زي أيام الموسم الثاني، وحوار فيه روح كتابة مارتن.
عن چايمي. كذا احتمال قائم وكلامه يحتمل كذا تأويل، وشايف إن تسرُّع الناس تقول دلوقت إنهم دمَّروا الشخصيَّة. نصبر نشوف هيعمل إيه. اللي بسأله بس، هو يعني مش عارف أخته ومش عارف إنها مش هتستسلم؟ كان متوقِّع إن المسألة هتتحل بشكل سلمي فقرَّر البقاء في وينترفل؟ 

حاجات عشوائية:
- ليه يفترضوا إن ميسانداي ما غرقتش أثناء الهجوم؟ ده الافتراض الطبيعي في الوضع ده، إنما استنتاج إن يورون خطفها مش أول حاجة هترد في دماغ حد!
- سرسي تعرف منين إن ميسانداي مهمَّة للدرجة عند دنيرس؟ يمكن من شبكة معلومات كايبرن.
- لو يورون سأل سرسي تيريون عارف منين إنها حامل؟ ممكن تقول له عن طريق ڤارس عنكبوت المعلومات.
- كان بإمكان سرسي تخلَّص الحرب وتقتل تيريون ودنيرس والقوَّة الهزيلة اللي معاها لكن أظن اللي عايزين يقولوه إن غرورها واستهانتها هيكونوا السبب في سقوطها. هي مش عايزة تهزم دنيرس بس، هي عايزة تعلِّم عليها، تهينها، وعايزاها تشوف كل حاجة بتملكها بتتداعى. أو ده تخميني.
- مشهد برون حلو فشخ، لكن مش حاسس إن ليه أي لازمة. برون كشخصيَّة ما عادش ليه لازمة من الموسم اللي فات على الأقل.
- على أد ما كنت عايز أشوف رد فعل آريا وسانزا على حقيقة چون، فأنا متفهِّم إن حكاية القصَّة مرَّة ثالثة كان هيبقى ثقيل علينا كمشاهدين. تصرُّف سانزا وآريا في المشاهد التالية هو رد الفعل.
- مش هتكلِّم عن حمل سرسي وليه بطنها مش كبيرة لو كان ابن چايمي، لأن الزمن ما لهوش أي قيمة في شهور الحمل والولادة في المسلسل. لاحظ إن ابن جيلي المولود في الموسم الثالث لسا عيِّل بيتشال.
- حتى لو نهاية المسلسل هي نهاية الكُتب (وده بدأت أشك فيه بشدَّة بناءً على كلام Dumb & Dumber)، فنظريًّا الحاجات اللي بيقدِّمها المسلسل أفكار جذَّابة كأفكار. المشكلة في تنفيذها المتسرِّع الرديء، ودي حاجة ما فيش شك إن مارتن هيقدِّمها بعشرات أضعاف البراعة... المهم يقدِّمها بس.
- والله حتى لو كانت إزازة كوكا كولا 2 لتر وكيس شيبسي حجم عائلي بدل ستاربكس، ما كنت ههتم لو كانوا هم اهتمُّوا بالكتابة.


السبت، 4 مايو 2019

ملاحظات على الحلقة الثالثة من «Game of Thrones»

الموسم الأخير، الحلقة الثالثة، «The Long Night»



لوقت طويل ما كنتش فاهم ولا مهتم بالانقسام الكبير في القاعدة الجماهيرية لـ«Star Wars» بعد «The Last Jedi».
عن نفسي شايفه فيلم جيِّد ومسلِّي والتمثيل فيه قوي، وإن كان مليان ثغرات في الحبكة تعدِّي قطيع أفيال الجماعة الذهبيَّة، وفيه مشاهد كان ممكن الاستغناء عنها بسهولة من غير ما تتغيَّر حاجة في القصة. «Star Wars» لمن لا يعلم أكبر من «Game of Thrones» عشرات المرَّات، لكن على عكس قطاع عريض من قاعدتها الجماهيرية، اتفرَّجت على السلسلة متأخَّر وعجبتني حاجات كتير جدًّا فيها، وفيه حاجات شوفتها في منتهى السخافة. زي أي فيلم أو مسلسل يعني. ما كنتش زيهم مهتم ومتابع من البداية، ففضلت بعيد عن الخناقات العاصفة اللي دارت على الإنترنت بين أغلبيَّة بتكره الفيلم وشايفة إنه دمَّر السلسلة، وأقليَّة شايفة الفيلم جيِّد جدًّا، وأقليَّة أقل زي حالي كده.
لكن أول حاجة جات على بالي بعد الحلقة الثالثة هي الحالة الغريبة اللي خلقها «The Last Jedi»، مش بس في التشابه العام مع حالة «Game of Thrones»، لأني كنت متأكد بمجرَّد نزول تترات النهاية، وقبل ما أفتح الإنترنت، إن هيكون فيه انقسام على الحلقة دي. السبب الثاني إن فيه مشاهد بعينها في الحلقة فكَّرتني بالفيلم. فيه شخصيَّة بتُلقى عليها قوَّة نارية هائلة، وبمجرَّد انطفاء النار يتَّضح إنها سليمة تمامًا، وحتى رد فعلها شبيه برد فعل ملك الليل. فيه شخصيَّة بتموت بنفس الحركة تقريبًا اللي مات بيها ملك الليل. العدو الأكبر بيموت قرب أواخر الفيلم الثاني من ثلاثية فجأة دون إجابة عن الأسئلة اللي مثارة عنه من الجزء الأول. شخصيَّة رئيسيَّة مهمَّة موجودة من أول فيلم في السلسلة كان دورها مهمَّش تمامًا وما قامتش بأي حاجة مفيدة تقريبًا. استراتيچية عسكرية ما فيهاش منطق ولا استراتيچية.
الكلام ده مألوف؟
وبعد كده تفتح الإنترنت تلاقي رايان چونسون مخرج الفيلم كاتب تويتة بيسخر فيها من محبِّي المسلسل اللي ما عجبتهمش النهاية.
وتفتكر إن ديڤيد بنيوف ودان وايس متفقين مع ديزني بالفعل إنهم يكتبوا ثلاثية جديدة لـ«Star Wars» بالتعاون مع رايان چونسون.
وتفهم دلوقت ليه عشَّاق «Star Wars» الأصليِّين بيكرهوا «The Last Jedi»، لأن رغم كونه في حد ذاته فيلم جيِّد، لكن في السياق العام للسلسلة بيخالف كل حاجة مبنيَّة تقريبًا، وهو ما وصفه چونسون بـ«الإطاحة بالتوقُّعات»، وهو الشيء اللي من حيث المبدأ ما عنديش مشكلة معاه، بل بحبِّذه، لأني بحب أتفاجئ، لكن فقط لمَّا يبقى متقدِّم بشكل متَّسق مع القصَّة العامَّة، مع البناء والتلميحات والإسقاطات والتمهيد، ولمَّا ترجع له تحس إنه فعلًا تطوُّر طبيعي للقصَّة مش دخيل عليها. الإطاحة بالتوقُّعات لمجرَّد المفاجأة حيلة رخيصة مش بيلجأ ليها إلا كاتب ضعيف أو كاتب زنق نفسه في ركن ومش عارف يخرج منه.
توقُّعاتنا أطيح بيها لمَّا ند ستارك مات، ولمَّا روب وكاتلين ستارك ماتوا، ولمَّا أوبرين مارتل مات، وچوفري، وتايوين، وستانيس، وچون سنو، ولمَّا تسترجع كل ده هتلاقيه متَّسق تمامًا مع القصَّة وممهَّد له ورغم ذلك فاجئ الجميع.
مشاعري ناحية الحلقة زي مشاعري ناحية «The Last Jedi». في حد ذاتها حلقة جيِّدة لا تخلو من عيوب، لكن لمَّا تحطَّها في السياق العام للمسلسل فهي حلقة متوسِّطة المستوى على الأكثر، فلو ما كنتش اكتفيت من التحليلات اللي مغرَّقة الإنترنت سواء بالسلب أو الإيجاب، ولو ما عندكش مشكلة تقرأ كلام مكرَّر -لأني أكيد مش هكون أول واحد بيقوله- ولو ما كنتش من شريحة المشاهدين اللي بتقول إن ما دام العمل فانتازيا فالمفروض ما أدوَّرش على منطق (ودي إهانة للفانتازيا)، فهحاول أختصر الكام نقطة اللي عندي.

الحلقة حلوة في إن:
- التليفزيون وسيط بصري بالأساس، يعني في حلقة زي دي تحديدًا الاعتماد على حكاية القصَّة بالصورة أكثر من الحوار، وده نجحوا فيه تمامًا. الحوار في الحلقة قليل جدًّا، والباقي كله محكي بالصورة ببراعة.
- ما فيهاش لحظة مملَّة.
- فيها مجموعة لقطات عبقريَّة وفي غاية الجمال، أظن معظمنا إن لم يكن كلنا حتى اللي كاره الحلقة متَّفق عليها.
- الموسيقى كالعادة (ولو إني شخصيًّا رغم جمال المقطوعة الأخيرة حسِّيت كأن چاوادي كاتبها لـ«Westworld»).
- بناء التوتُّر والترقُّب معمول بإتقان شديد من أول لحظة خلال العشر دقائق الأولى تحديدًا، وفي الدقائق الأخيرة كمان.
- التلاعب بالمشاهد وإعطاؤه إحساس بالأمل، زي مشهد إشعال الأراخات، أو دخول التنانين، أو اشتعال الخندق، وبعدين إخماد الأمل مع النار.
- أسلوب قتال المطهَّرين وصمودهم مخلص جدًّا للروايات.
- شخصيَّات عادةً شُجاعة بتفقد شجاعتها في مواجهة الخطر الرهيب، زي ساندور وآريا، وحتى سام اللي كان تغلَّب على خوفه.

لكن للأسف ده كل اللي عاجبني فيها.
العيوب اللي شايفها عن نفسي قد تتَّفق أو تختلف مع غيري، لكن هي أكثر حاجات عندي مشاكل معاها:
- جوست
بيعمل إيه على خط الهجوم الأول؟ إيه اللي ممكن يضيفه ذئب هنا؟ هيعض الموتى؟ فاكرين سَمر مات إزاي؟ إزاي چون يسيبه يموت في موجة الهجوم الأولى؟ طبعًا هو ما ماتش وده أغرب، لكن على الأقل ما ماتش off-screen. ليه جوست ما يكونش في السراديب بيحمي سانزا أو حتى في أيكة الآلهة بيساعد على حماية بران؟ روب ستارك كان بيخلِّي جراي ويند يحارب معاه لأنه عنصر قوي في إيقاع الرعب في قلب العدو، لكن العدو اللي بيواجهوه المرَّة دي ما يعرفش الخوف!
- خطة الدفاع
أقول إيه عن خطة الدفاع؟ أنا من إمتى خبير عسكري بيفهم في استراتيچيات القتال في العصور الوسطى؟ أنا مش كده، بس أظن إني ترجمت ما يكفي من المعارك اللي من النوع ده، ورجعت لكتب تاريخ لترجمة المعارك دي، فعندي على الأقل معرفة عامَّة بأساليب القتال وأساسيَّات المعارك والحصار.
من الأساسيَّات دي إنك لو في قلعة فالقلعة أهم دفاع عندك. حُط أكبر عدد ممكن من الرُّماة على الأسوار، وخلِّيهم يتبادلوا الضَّرب علشان تكون فيه فرصة للراحة. في الحالة دي قبل ما العدو يوصل لك هتكون أصبت عدد لا بأس بيه منه. السهام النارية في عالم الواقع عديمة الفائدة وبتنطفي في الحال تقريبًا وقلما بتسبِّب ضرر (وهم كانوا مخلصين في الجزء ده)، لكن لحسن الحظ إن العدو اللي بيهاجمك بيموت بالنار. اللي شوفناه في الحلقة عدد قليل من الرُّماة، مع إن الدوثراكي نفسهم بينهم رُماة كتير، ده غير إن أي حد يعرف يمسك قوس ممكن يقوم بالمهمَّة دي. خليك فاكر إن عندك قلعة أسوارها عالية، والقلعة واضح تمامًا إن كان فيها مساحات كافية تضم أعداد أكبر.
لو هتحفر خندق احفره على مسافة واسعة تضم جيشك واملاه بالخوازيق. في الحالة دي جيش الموتى هيفقد عدد كبير منه مع موجة الهجوم الأولى، وهيقل التدافع وهياخدوا فترة على بال ما يعرفوا يعدُّوا بينما رُماتك طول الوقت بيمطروهم بالسهام. الرُّماة ممكن يكونوا خارج القلعة ورا خط المشاة على فكرة. وآه، ما فيش حد بيحط المجانيق بتاعته أمام خط المشاة الأول. المنجنيق بيكون داخل القلعة وبيضرب باستمرار ما دام رجالك مش في مرماه، أو على الأقل ورا المشاة. كل اللي شوفناه المجانيق بتضرب مرَّة أو مرِّتين وبعدها أصبحت بلا فائدة.
الغرض الأساسي من الهجمة الأولى لسلاح الفرسان في أي معركة هي إيقاع الصدمة في قلب العدو وتشتيت صفوفه الأولى، ده لو كان سلاح فرسان بخيول ثقيلة، يعني الفارس والفرس مدرَّعين، والفارس بيقاتل بسيف طويل أو رمح. لو سلاح فرسان بخيول خفيفة زي الدوثراكي، ما ينفعش يهجموا من غير دعم المشاة. ثم كانت إيه الخطة قبل ما مليساندرا تظهر من العدم (كان مشهد cool رغم ذلك) وتولَّع النار في الأراخات؟ إن الدوثراكي يهجموا بأسلحتهم العادية اللي هي حديد أو فولاذ؟ مين العبقري اللي بعتهم في الهجمة الانتحارية دي؟ ما طبيعي يُكتسحوا في ثواني. مفهوم إن الدوثراكي قوَّة هجوم أصلًا لأنهم غزاة ومتعوِّدين على الهجوم مش الدفاع، لكن ليه تضحِّي بيهم كلهم مرَّة واحدة؟ ما هو تايوين لانستر ما خلِّفش. بفرض إن داني ملهاش في التكتيك العسكري وچون غبي، لا چايمي ولا تيريون انتبهوا لغباء الحركة؟ ولا حد فيهم قال إن المفروض ينتظروا الموتى يهجموا بجيث يصدُّهم المطهَّرين بالتُّروس من القلب ويكر عليهم الدوثراكي من الميمنة والميسرة؟ مين اللي يبعت جيش كامل يواجه عدو مش شايفه من غير سلاح فعَّال؟!
لمَّا إحنا المشاهدين العاديِّين نقول الكلام ده، HBO مش عارفة تجيب مستشار عسكري يوجِّه المعارك؟ ده تهريج!
ديڤيد ودان وناس تانية بتقول إن دنيرس خالفت الخطة. فعلًا؟ يعني كان المفروض تسيب الطوفان يكتسح الأحياء من غير ما تتدخَّل؟ 

- الإضاءة والمونتاچ.
ما فيش شك إن الصورة كانت ضلمة، ولمَّا الشكوى تكون عالميَّة فالعيب في مدير الإضاءة. هبل إنه يقول للناس إنهم مش بيعرفوا يضبطوا تليفزيوناتهم. المسلسل طول عمره ضلمة لكن مش بالشكل ده. قبل كده شوفنا معركتين ليليتين بوضوح تام. أنا نفسي عندي تليفزيون حديث جدًّا واتفرَّجت على نسخة مساحتها كبيرة وكانت عندي نفس المشكلة، ولمَّا رفعت الـbrightness الصورة أصبحت سيئة رغم الوضوح. إلى حدٍّ ما متفهِّم الإحساس اللي كان المخرج عايز يوصَّله للمشاهد، وإنه يحطُّه في نفس جو الفوضى والاضطراب اللي فيه الشخصيَّات، لكن مش متَّفق مع الاختيار لأن ده كان ممكن برضه بصورة أوضح شويَّة. طبعًا السبب الأهم إن التصوير الليلي بيداري عيوب كتير في الـCGI والصُّور اللي الـrendering بتاعها ما اكتملش.
تكنيك الكاميرا المهزوزة ما حدِّش في هوليوود عرف يستخدمه صح إلا قلائل من وقت ما قدِّمه پول جرينجراس في أفلام «Bourne»، وهنا خلَّا الواحد كتير ما يعرفش إيه اللي بيحصل أو مين أصلًا اللي على الشاشة.
المونتاچ أسوأ حاجة تقنيَّة في الحلقة دي. كام مرَّة تكون شخصيَّة في خطر شديد والموتى متكدِّسين عليها والمشهد يقطع ولمَّا نرجع للشخصيَّة تكون تمام وما حصلَّهاش حاجة؟ آه، وبالمناسبة دي، كام كام مرَّة تكون شخصيَّة في خطر شديد والموتى متكدِّسين عليها وحد ينقذها على آخر لحظة؟ بالمنظر ده قتلوا التعطيل الإرادي لعدم التصديق عندي، لأني خلاص ما عدتش خايف على الشخصيَّة، لأني متأكِّد إن لمَّا نرجع لها هتكون تمام. مرَّة أو مرِّتين كفاية، لكن كام مرَّة شوفنا سام على الأرض وسط الجثث بيعيَّط وبيحاول يدافع عن نفسه؟ كام مرَّة بِريان تقع وتختفي وسط الجثث الحية وينقذها چايمي والعكس؟ وپودريك؟ وتورموند؟ وجندري؟
- وده ينقلنا للسبب اللي غايظ ناس كتير وأنا منهم، إن كذا شخصيَّة كان المفروض تموت وما حصلش. فاكرين لمَّا الموت كان ليه معنى في المسلسل؟ ولمَّا الشخصيَّات الأساسية كانت بتموت؟ إحنا كنا مهيَّئين نفسيًّا بعد الحلقة الثانية. دلوقت الحلقة الثانية أصبحت بدون معنى. چورا مش شخصيَّة رئيسيَّة، ولا مليساندرا، ولا بريك دونداريون. كلهم شخصيات صف تاني. يعني والدر فراي قتل شخصيات صف أول أكتر من ملك الليل. مع ذلك مشهد موت ثيون كان مؤثِّر، ومشهد چورا رغم إنه كان داخل القلعة وظهر ينقذ دنيرس من اللا مكان، والسخرية الشعرية هنا إنه دافع عن دنيرس بسيف راندل تارلي. وداڤوس كان فين طول المعركة؟ ولا لقطة ظهر بيقاتل فيها وهو مقاتل سيئ باعترافه. أنا بحب داڤوس جدًّا لكن كان المفروض يموت.
- زي ما توقَّع كتير، ملك الليل قوِّم الجثث اللي في السراديب... واتَّضح بالفعل إن السراديب أكثر مكان آمن في القلعة، لأن ما حصلش حاجة تقريبًا. على كل حال مش متوقَّع من جثث مدفونة بدون أسلحة ومر عليها سنين إنها تعمل أذى كبير، لكن ليه ما استغلُّوش الفرصة في إن حد من عيلة سانزا مثلًا يحاول يقتلها؟ بلاش ند (وليه مقبرة ند فضلت سليمة؟ يمكن لأنه مات بالفولاذ الڤاليري أصلًا). لكن ليه مش ريكون (اللي مقبرته برضه فضلت سليمة)؟ تخيَّل مشاعر سانزا وهي بتواجه جثة أخوها الصغير اللي تخلِّت عن الأمل في إنقاذه وضحِّت بيه. في السياق ده، الشخصيات اللي نعرفها وماتت، ليه ما استغلُّوش فرصة نشوفها بتقتل البشر؟ ليانا وإد وبريك، لو ده حصل كان هيبقى قاسي ومؤلم لكن بيعزِّز فكرة الرعب.
بالمناسبة، أول جثة قامت في السراديب افتكرتها المِايستر لوين، لكن افتكرت بعدها إنه مات في أيكة الآلهة، وما ظنش حد من جنود بولتون كلِّف خاطره يدفنه في السراديب.
ولمَّا الجثث قامت في المكان المغلق على ساندور ومليساندرا بعد ما آريا سابتهم؟ دول كانوا عشرات.
- بران ما عملش أي حاجة، لكن أنا في الحقيقة مش عارف أفكَّر في حاجة كان ممكن يعملها، ما لم يكن چون انتظر معاه لحد ما يقول له إن ملك الليل جاي من البقعة الفلانية. طبعًا انتظرت إن محور قصته كلها يكون ليه لازمة ويدِّينا أي معلومة مفيدة، لكن ده طبعًا ما حصلش. رحلة بران كلها كان الغرض منها يكون هارد دسك متخزِّن عليه معلومات.
- النقطة قبل الأخيرة من أكبر نقطتين محل جدل: هل كان المفروض آريا هي اللي تقتل ملك الليل؟
ناس كتير بتقول إن مشكلتها إن آريا اللي قتلته، وإنما الطريقة اللي قتلته بيها. طبعًا وعندهم حق. سخافة إن آريا فجأة تعرف تتخطَّى كل الجحافل اللي غزت القلعة وتوصل أيكة الآلهة. سخافة إن آريا تعرف تتجاوز بمعجزةٍ ما حلقة الوايت ووكرز والجثث اللي محيطة ببران وتنقض على ملك الليل من اللا مكان. كان ممكن على الأقل تكون مستخبيَّة فوق الشجرة. كان ممكن تدريبها مع عديمي الوجوه تكون ليه فايدة حقيقيَّة هنا. سخافة إن الكتَّاب -باعترافهم- يقولوا إنهم قرَّروا من 3 سنين بس إنها آريا، وبالشكل ده يغيَّروا بأثر رجعي سياق كلام اتقال في الموسم الثالث. حتى ترتيب ألوان العيون كان غلط! المرة دي أصبح الأزرق في الآخر علشان الوقع الدرامي وبس، في حين كانت نبوءة مليساندرا في وقتها تخص قائمة آريا فقط.
لكن أنا عندي مشكلة في إن آريا اللي قتلته. بالأحرى، إنها قتلته لوحدها. كان هيبقى أروع أد إيه لو كان مجهود جماعي؟ أولًا فرصة عظيمة نشوف فيها چون وآريا بيقاتلوا جنبًا إلى جنب. ثانيًا ده يخلِّي ملك الليل مخيف أكثر. ثالثًا على الأقل هيكون فيه نوع من المواجهة الأخيرة بينه وبين چون بعد مواجهة النظرات اللي هيَّأتنا لده من سنين وخلَّانا ننتظره.
بالمناسبة، كون الفولاذ الڤاليري هو القادر على قتل ملك الليل بينما نيران التنِّين لأ مش شايف فيه مشكلة. إحنا عارفين من قبل كده إن ملك الليل قادر على إخماد النار العادية ونار التنانين، وما فيش حاجة بتقول إنه مش مضاد لنار التنانين، خصوصًا إن الأوبسيديان اللي في قلبه ما هو إلا نار مجمَّدة، يعني هو حي بسبب النار، بينما ما فيش حاجة بتقول بشكل قاطع إن التنانين ليها دخل في تشكيل الفولاذ الڤاليري. مشكلتي إن الكتَّاب بيقولوا إنها ضربته في نفس الموضع، بينما باين يوضوح إنها ضربته في المعدة. يعني حتى مش فاكرين اللي كتبتوه.
فيه لقطة طريفة، إن آريا أصلًا عسراء، وبتظهر دايمًا ماسكة سلاحها بالشمال، وفي النهاية بتقتل ملك الليل باليمين.
- النقطة الأخيرة محل الجدل هي الدهشة من القضاء على ملك الليل بالسهولة دي، والرد بإن المسلسل أصلًا سياسي وما إلى ذلك. طيِّب، رأيي إنهم زنقوا نفسهم في ركن في الكتابة. لو ما كانش ملك الليل مات هنا فمعنى كده إن المسلسل انتهى، أو على الأقل المواجهة الأخيرة هتكون بينه وبين سرسي دون كل الناس. فيه ناس كانت متوقِّعة ده يحصل بالمناسبة. لكن طبعًا دراميًّا عبث إن كل اللي في وينترفل يموتوا في المعركة وتنتهي قصتهم على كده.
الفكرة إنك بتحذَّر من أول مشهد في أول موسم من الخطر العظيم، والبناء مستمر ليه على مر السنين، فلمَّا ينتهي في حلقة واحدة وبعد معركة واحدة، دي خيبة أمل كبيرة. من أول حلقة بنسمع إن الشتاء قادم، لكن الحقيقة إن الشتاء أطاح بقلعتين صغيرين فيهم عدد محدود من البشر، واتهزم عند القلعة الثالثة وبس (بتكلِّم هنا عن الشتاء المجازي مش الفعلي). الخطر اللي المفروض كان عالمي -مع إنه عمليًّا خطر على وستروس بس- بدأ وانتهى في الشمال، أمَّا الجنوبيِّين فما اختبروهوش بأي شكل ولا اتأثَّروا بيه ولا عنوا بسببه وهيفضل بالنسبة لهم مجرَّد أسطورة. سرسي اللي مدركة الخطر وتجاهلته علشان مصلحتها الخاصَّة مش هتحتك بالخطر ده نهائي ولا تشوف فداحته بعينها. الموتى كان آخرهم في وينترفل، لا هزموا البشر واستطاع البشر ينسحبوا جنوبًا أو لجُزر الحديد أو حتى دراجونستون، ولا هدِّدوا أي قلعة بعد وينترفل إطلاقًا، ولا فيه ذروة في كينجز لاندنج يكون البشر على أحزابهم كلهم أطراف فيها، بحيث الخيوط الدراميَّة كلها تتجمَّع مع بعضها، الخير والشر والموت. ده اللي كنت أحب أشوفه.
أمَّا كون المسلسل أصلًا اسمه «لعبة العروش» والصراع الأساسي فيه على العرش؟ لو الكتَّاب مش مدركين إن الرسالة إن العرش مش مهم، إن كل ده كلام فارغ مقارنةً بالخطر اللي بيهدِّد الجميع، فأنا مش عارف بيكتبوا ليه. لو نسيوا اللي قالته مليساندرا عن إن حرب الملوك الخمسة ما لهاش قيمة مقارنةً بخطر الموتى، وزيها حرب الملكتين دلوقت، فأنا مش عارف بيكتبوا ليه. دلوقت هنرجع تاني للصراع الأقل إثارة للاهتمام، الصراع التافه على الحكم اللي هو عكس كل حاجة ذات قيمة المفروض نستنتجها من المسلسل. وليه أهتم بمصاير ناس مجرَّد ما انتهت الحرب الأهم مصرَّة تسعى في حروب تافهة؟ الحرب الأخيرة؟ فعلًا؟ يعني ما حدِّش اتعلِّم حاجة؟ فيه حاجة اسمها الحرب الأخيرة؟
من الأمانة هنا إني أقول إن ده قد يكون اللي هيعمله مارتن في الكتاب الأخير -لو كتبه- لأنه ذكر قبل كده كتير تأثير تولكين عليه، واختص بالكلام إعجابه بالفصل الأخير في «سيِّد الخواتم» اللي اسمه «The Scouring of the Shire»، اللي بيرجع فيه الهوبيت بلدهم بعد الانتصار على ساورون، وبيلاقوها محتلَّة من سارومان والأورك وبيقاتلوهم. قال إنه لما قرأ الرواية أول مرة وهو عنده 13 سنة ما استوعبش سبب وجود فصل زي ده، لكن لما كبر أدرك عبقريَّته. ربما حاجة زي دي هتحصل، لكن لاحظ الفرق بين تطهير وطن من عدو والقتال على عرش.
وبخصوص كون نبوءة الأمير الموعود طلعت أي كلام (ما فيش آزور آهاي في المسلسل)، فده حقيقةً متَّسق مع رؤية مارتن للنبوءة بشكل عام، وإنها شيء حمَّال أوجه وخدَّاع. كم جريمة ارتكبتها مليساندرا علشان تحقَّق النبوءة؟ وستانيس وسيليس؟ وكام مرَّة كانت غلطانة؟ أنا راضي عن ده تمامًا. ممكن نقول إنه چون لأنه رجع من الموت ووحِّد الصفوف إلخ... وده برضه راضي عنه. ما فيش حاجة في النبوءة بتقول بشكل خاص على العموم إن الأمير الموعود هيقتل بنفسه قائد الأعداء.

حاجات كنت عايز أشوفها بشكل شخصي:
- جحافل الدوثراكي الموتى تظهر ولو في مشهد سريع لحظة ما ملك الليل رفع إيده.
- حوار قصير أخير بين مليساندرا وداڤوس قبل ما تموت.
-  چون كان على الأقل يقتل التنِّين بالفولاذ الڤاليري بدل ما يصرخ في وشُّه! طبعًا نقطة التنِّين دي الكتَّاب بيناقضوا نفسهم فيها زي ما عملوا كتير قبل كده (راجع الوايتس بيعوموا ولا لأ)، لمَّا قالوا قبل كده إن التنِّين وايت ووكر علشان ملك الليل حوِّله بإيده، بينما مات زي الوايتس في الحلقة.
- أي ملعومات مفيدة عن الوايت ووكرز وليه اختاروا يرجعوا دلوقت بالذات!

ملاحظات هامشيَّة: 
- ما فيش كاتب في هوليوود تقريبًا بيقدر يقاوم محاكاة الصُّور الدينيَّة، زي وضع صلب المسيح مثلًا أو العشاء الأخير. أحيانًا بتكون في محلَّها وأحيانًا بتكون مقحمة. هنا فيه أمثلة زي وضع صلب المسيح في مشهد طعن بريك، وطعن ثيون مكان طعن المسيح، وطبعًا صورة داوود وجالوت في مشهد ليانا والعملاق. إلى حدٍّ ما حاسس المحاكاة دي مقحمة، لكن ما عنديش مشكلة معاها.
- ما زالت المعارك في «The Lord of the Rings» و«Waterloo» الأفضل في تاريخ السينما، و«Battle of the Bastards» أفضل معركة في المسلسل.

ويمكن ما تكونش دي النهاية. ممكن يطلع فيه رابط مستمر لبران بسبب العلامة على إيده. ممكن يكون الوايت ووكرز بياخدوا وقت على ما ينضجوا ويتحوِّلوا بالكامل، فابن كراستر اللي شوفناه بيتحوِّل في الموسم الرابع هيكون بمثابة خطر جديد في المستقبل. جايز، لكن أنا مش مهتم أوي الحقيقة. الحلقات الجايَّة هتفرَّج عليها بالقصور الذاتي وهكتب عن اللي عجبني وما عجبنيش برضه. لكن المجمل، الحلقة كانت محبِطة وخالفت التوقُّعات بصورة سيئة خالية من الحِرفيَّة في الكتابة. بصريًّا مبهرة -من اللي عرفنا نشوفه على الأقل- لكن ده أفضل ما يمكن أن يقال عنها.

فاكرين «Lost»؟

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...