الاثنين، 30 مارس 2020

ترجمت إيه في الأدب شايف حاجة شبهه في واقعنا الحالي؟


قرأت إيه في الأدب شايف حاجة شبهه في واقعنا الحالي؟
بطبيعة الحال زادت نسبة قراءة أعمال أدبيَّة بعينها والإحالات فيها في الفترة الأخيرة، من «حرافيش» محفوظ لـ«عمى» ساراماجو لـ«موقِف» ستيڤن كينج لـ«طاعون» كامو، وحتى «عيون الظلام» رواية دين كونتز اللي تصادف إنه ذكر فيها من أكثر من 20 سنة وباء عالمي بيخرج من مدينة ووهان الصينيَّة ويجتاح العالم، وغيرها من الأمثلة اللي بتتماس بشكل أو بآخر مع الوضع الحالي.
طيِّب، ولو سألت نفسي السؤال نفسه، بس قلت «ترجمت» بدل «قرأت»؟
لي فترة بفكَّر في ده، ومع إني مش مطالب بأي شكل في أي وقت إني أترجم عمل بتتشابه أحداثه مع عالم الواقع، لكن ممكن أسأل نفسي السؤال ده وأنا باصص على اللي ترجمته بالفعل، بدون ما أحشر المواضيع في غيرها حشرًا، مش لهدف معيَّن، يمكن بس كنوع من مراجعة النفس واستبيان الواحد ممكن يكون قدِّم إيه مفيد، وكنوع من المرح طبعًا. الإجابة إني مرتين ترجمت عمل ليه صلة مباشرة بوضع حالي.
الأول كان «الناجي الأخير» لتشاك پولانك في الفترة اللي شهدنا فيها في مصر بالذات التجارة بالدين في ذروتها، وأظن كان ده واحد من الأسباب اللي حثتني على ترجمة الرواية دي.
والثاني -وما تستغربش أوي- هو «أغنية الجليد والنار».
مش بتكلِّم عن تشابهات مباشرة في أحداث بعينها، مع إن الأوبئة جزء من التاريخ الثري بتاع وستروس والأراضي المحيطة، زي «الطاعون الأرمد»، وحاليًّا من المشاكل اللي بتواجهها دنيرس تارجاريَن في ميرين مشكلة وباء «الفَرس الشاحبة» المنتشر داخل المدينة وخارجها. الكلام بالأحرى عن التيمات اللي خرجت بيها من قراءة «الجليد والنار» وترجمتها.
چورچ مارتن كان ذكر في حوار صحفي إن «الآخرين» أو «المشاة البِيض» في رواياته رمز للتغيُّر المناخي، وقال (بتصرُّف): «أهل وستروس يخوضون معاركهم المستقلَّة في سبيل السُّلطة والمكانة والثروة، وهو ما يُلهيهم تمامًا عن تهديد «الشتاء القادم»، الذي من شأنه أن يُدمِّرهم ويُدمِّر عالمهم تمامًا. في عالم الواقع أرانا نتقاتل على أشياء بعضها مهم، ولكن فيما يُمزِّق بعضنا بعضًا هناك التغيُّر المناخي، وهو مسألة حسمها العلم بنسبة 99%. ثمَّة قضايا مهمَّة بالطبع، لكنها لن تعود مهمَّة إذا كنا موتى ومُدننا في قاع المحيط».
شيل التغيُّر المناخي وحُط ڤيروس الكورونا، ومش هتلاقي الفرق كبير (رغم إن حلول أزمة جديدة ما يعنيش إن الأزمات القديمة انتهت، بس الأولويَّات بتتغيَّر).
من تيمات «الجليد والنار» إزاي البشر مؤهَّلين للتعامل مع خطر بيتهدَّدهم جميعًا، وهل هم مؤهَّلين فعلًا؟ علشان كده من خلال قراءة مارتن وترجمته سبق لي رؤية النماذج المختلفة قبل ما أشوفها في عالم الواقع: أبطال قلائل مصرِّين يعملوا الصح، ونسبة كبيرة من الجهل والتخلُّف بنندهش منها كل مرَّة مع إننا المفروض نبطَّل نندهش، ومنتفعين عايزين يطلعوا بأكبر عائد مادي ممكن، وعاهرات الاهتمام، واللي بينكروا وجود المشكلة تمامًا ويقولوا عليها خرافة أو مؤامرة، وأصحاب الحكمة بأثر رجعي اللي شافوا أخيرًا إن الإنفاق على ما هو ضروري فعلًا أهم حاجة في العالم، وغيرهم وغيرهم وغيرهم من ألوان طيف الإنسان اللي هي كلها درجات من الرمادي، مش في الخير والشر بس وإنما في نواحي الحياة كلها.
وطبعًا تيمة تعامُل اللي في السُّلطة تحديدًا مع الموقف: القادة، المرشدين، الزعماء. فيه مقولة لصحفي وكاتب أمريكي اسمه روبرت كارو بيقول فيها: «ومع أن الكليشيه الذي يرد على الألسنة دومًا هو «السُّلطة تُفسِد»، فما يُقال نادرًا هو... «السُّلطة تُفصِح».
في عالم الواقع شفنا طريقة التعامل مع بعض الضعفاء والمسنِّين زي ما حصل في إسپانيا، وشفنا حاكم تكساس اللي صرَّح إن التضحية بالمسنِّين واجب في سبيل الاقتصاد، وفي الروايات أمثلة كتير على الشيء المؤسف ده، خصوصًا في الجزء اللي بيحكي عن إن في الشمال بعد حلول الشتاء المسنِّين بييجي يوم ويعلنوا فيه إنهم «ذاهبين للصَّيد»، وبيختفوا ومفيش حد بيشوفهم تانين أو يلاقوا جثثهم المتجمِّدة في الربيع.
ما عنديش توقُّع معيَّن للنهاية. ممكن تكون نهاية سوداويَّة في الروايات وعلى أرض الواقع. قد يتجاوز البشر الأزمة ويطلعوا منها جنس أفضل اتعلِّم حاجة بعد ما بذلوا بنسب مختلفة تضحيات وعانوا، وقد يَثبُت إن الوضع هيرجع لما كان عليه بعد انتهاء الأزمة زي ما شوفنا في نهاية المسلسل الخريانة.
سواء رايحين لأفضل أو لأسوأ، وبما إن الوضع مفروض على الواحد فرضًا، فإحنا بنشهد حدث مغيِّر للعالم، وعن نفسي ممتن إني ما ترجمتش سلسلة روايات عن حدث مغيِّر للعالم وبس، لأ ولقيت صدى لده في عالم الواقع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...