الاثنين، 2 مارس 2020

مقتطف من قصة «تنِّين الجليد» لچورچ ر. ر. مارتن

في هذه القصة للكاتب الأمريكي جورج ر. ر. مارتن نرى بذور الأفكار التي طوَّرها لاحقًا في العمل الضخم الذي قدَّمه بعد ذلك للناضجين. هنا يقدِّم صاحب «أغنية الجليد والنار» قصة بسيطة ولكن حافلة بسحر وجمال كتاباته ولغته الشِّعرية، تشجِّع القرَّاء الصغار والكبار على دخول عالم الخيال من باب واحدٍ من أفضل من كتبوا فيه.


لا تدري متى رأته أول مرَّة، ويبدو لها أنه كان جزءًا من حياتها على الدَّوام، طيفًا لمحَته في عُمق الشِّتاء يُحلِّق في زمهرير السَّماء بجناحين أزرقين صافيَيْن. لطالما كانت تنانين الجليد نادرة، حتى في تلك الأيام، وحين يُرى أحدها يظلُّ الأطفال يُشيرون متعجِّبين، فيما يُتَمتِم الكبار ويهزُّون رؤوسهم، فعندما تظهر تنانين الجليد في الأنحاء فهذا نذير بشتاءٍ طويل قارس. يقول النَّاس إن تنِّين جليدٍ شُوهِدَ طائرًا أمام وجه القمر ليلة ميلاد آدارا، وقد شُوهِدَ مجدَّدًا كلَّ شتاءٍ منذ ذلك الحين، وكانت تلك الأشتية سيِّئةً بحق، وفي كلِّ عامٍ يتأخَّر مجيء الرَّبيع. وهكذا يُشعِل النَّاس النَّار ويُصلُّون ويأملون أن يُبعِدوا تنِّين الجليد عنهم، ويُفعِم آدارا الخوف.
لكن شيئًا من هذا لم ينجح، وفي كلِّ عامٍ يعود تنِّين الجليد، وتعلم آدارا أنه أتى من أجلها.
تنِّين الجليد كبير الحجم، أكبر نصف مرَّةٍ من التَّنانين الحربيَّة ذات الحراشف الخضراء التي يطير بها هال ورفاقه. كانت آدارا قد سمعَت أساطير عن تنانين شرسة أضخم من الجبال، لكنها لم ترَ واحدًا منها قَطُّ. تنِّين هال كبير بما فيه الكفاية قطعًا، يَبلُغ خمسة أضعاف الحصان حجمًا، لكنه صغير مقارنةً بتنِّين الجليد، وقبيح كذلك.
لون تنِّين الجليد أبيض بلَّوري، تلك الدَّرجة من البياض شديدة النُّصوع والبرودة حتى إنها تكاد تبدو زرقاء، وجسمه مغطَّى بالصَّقيع الأبيض الهش، ولذا عندما يتحرَّك يتكسَّر جِلده ويُطِقطِق كقشرة الثَّلج حين يخطو فوقها شخص بحذائه، وتَسقُط منه رقاقات من الجليد.
وعيناه صافيتان وعميقتان وجليديَّتان.
وجناحاه هائلان شبيهان بجناحَي الوطواط، لونهما أزرق باهت شِبه شفَّاف، وعبرهما يُمكن لآدارا أن ترى السَّماء، وفي أحيانٍ كثيرة القمر والنُّجوم أيضًا، عندما يدور الوحش في حلقاتٍ مجمَّدة في أرجاء السَّماء.
وأسنانه صفٌّ ثلاثي من كُتل الجليد المدبَّبة، حراب محزَّزة ليس لطولها مثيل، بيضاء في حلقه الأزرق العميق.
حين يخفق تنِّين الجليد بجناحيه تهبُّ الرِّيح الباردة وتدور دوَّامات الثَّلج العنيفة ويبدو العالم كأنه ينكمش ويرتعش. أحيانًا عندما ينفتح باب ما في برد الشِّتاء وقد دفعَته هبَّة ريحٍ مفاجئة يُسارِع صاحِب المنزل بإغلاقه قائلًا: «ثمَّة تنِّين جليد يطير على مقربة».
ولمَّا يفتح تنِّين الجليد فاه العظيم ويزفر، فما يَخرُج منه ليس نارًا، ليس الكبريت الحارق كريه الرَّائحة الذي تُطلِقه التَّنانين الأقلُّ شأنًا.
تنِّين الجليد ينفث البرد.
عندما ينفث يتكوَّن الجليد، ويفرُّ الدِّفء، وتتذبذَب النِّيران وتنطفئ وقد أذبلَ زهرتها البرد، وتتجمَّد الأشجار حتى أرواحها السرِّيَّة المتأنِّية، وتصير فروعها هشَّةً وتتشقَّق من جرَّاء وزنها، وتزرقُّ الحيوانات وتئنُّ وتموت بأعيُنٍ جاحظة وجِلد مغطَّى بالصَّقيع.
تنِّين الجليد ينفث الموت في العالم، الموت والسُّكون والبرد، لكن آدارا لا تخشاه، فهي طفلة الشِّتاء، وتنِّين الجليد سرُّها.



* القصة ليست جزءًا من عالم الجليد والنار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...