الأحد، 19 مايو 2019

رسالة وداع حزينة لـ«Game of Thrones»



كان بودِّي أكتب الكلام ده في سياق بعيد عن خيبة الأمل، لكن هو كلام يستحق الكتابة رغم ذلك.
مش هتكلِّم هنا عن سذاجة وسطحيَّة الكتابة في المواسم الأخيرة من المسلسل، ولا الوثبات اللي لا تمت بصلة لأي منطق في الحلقات الأخيرة، ولا الإحباط اللي القصَّة تسبَّبت فيه لمحبِّين كتير في فصولها الأخيرة.
الكلام هنا أقرب للكليشيه، أو هو فعلًا كليشيه.
إن الكنز في الرحلة.
الكليشيه كليشيه لسبب وجيه، وما بيبقاش كليشيه إلا لأنه حقيقي جدًّا.
كعمل فني، فـ«لعبة العروش» ما زال وهيفضل لفترة طويلة عمل غير مسبوق في التليفزيون والسينما، غيَّر مفاهيم ناس كتير عن الكتابة التقليديَّة وإزاي تفاجئ المُشاهد بأحداث صادمة غير متوقَّعة تذهله وفي الوقت نفسه بيشوفها التطوُّر الطبيعي للقصَّة اللي معمولة بمزاج، عمل علِّم مُشاهدين تقليديِّين تمامًا معلومات عن النقد الفني وبناء الشخصيَّات وتطوير الحبكة، عمل فتح سكَّة للفانتازيا في التليفزيون أخيرًا بعد ما عانت سنين في السينما في محاولة تقليد «سيِّد الخواتم» و«هاري پوتر»، عمل أبرز مواهب المئات في بناء الديكورات وتصميم الأزياء والأدوات اللي بتظهر على الشاشة والخدع البصريَّة والموسيقى والتصوير والمونتاچ والإخراج (والكتابة لفترة طويلة)، عمل عرَّف ناس كتير على مواهب مجهولة بالنسبة لهم في التمثيل زي تشارلز دانس (تايوين لانستر) وستيڤن ديلين (ستانيس باراثيون) وپدرو پاسكال (أوبرين مارتل) ورسَّخ ممثِّلين مخضرمين زي شون بين (إدارد ستارك) ولينا هيدي (سرسي لانستر) وفتح باب الفرصة لممثِّلين ناشئين منهم اللي بقوا نجوم صف أول دلوقت، عمل خلَّى ناس كتير جدًّا عمرهم ما قرأوا أو بيقرأوا قليل جدًّا يفتحوا كتاب ضخم وينغمسوا فيه ويتناقشوا في أحداثه وأبطاله، عمل شجَّع محبِّيه على الرسم والتصميم والغناء والعزف والجرافيتي وتصوُّر أحداث بديلة ووضع نظريَّات والتجمُّع مع بعض على حاجة شغوفين بيها، عمل عرَّف ناس من جميع أنحاء العالم على بعض وأصبحوا أصدقاء وفيه منهم اللي ارتبطوا، ودفع ناس للسفر لأماكن جديدة.
رغم كل شيء، ورغم نهاية العمل نفسه أيًّا كانت، فكل دي مكاسب لا يُستهان بيها.
عن نفسي الموضوع شخصي جدًّا، رغم إن نهاية المسلسل مجرَّد محطَّة في رحلتي مع «أغنية الجليد والنار»، ورغم إني عارف إني مش هرضى عن النهاية بشكل عام لأن صعب حلقة واحدة تصلَّح كل الأخطاء اللي عملوها... رغم كل ده المسلسل هيسيب فراغ عند الواحد، أقل سبب إن الواحد أكيد بيتعوِّد على الحاجة اللي متابعها من 8 سنين، بتكون جزء من كلامه مع الأصدقاء وتفكيره في الأعمال الفنيَّة، ده غير حالة الترقُّب اللذيذة قبل كل حلقة حتى لو عارف إن الحلقة مش هتكون على المستوى المأمول، والاستمتاع بالكلام مع المهتمِّين بعدها، وحتى التريقة عليها. كل ده الواحد أكيد هيفتقده.
وأنا ممتن للمسلسل لأني لولاه ما كنتش قرَّرت أقرأ واحدة من أفضل وأهم وأنجح السلاسل الروائية في تاريخ الأدب ككل مش الأدب الفانتازي بس، بعد ما كنت سمعت عنها في بدايات الألفينات وما حسِّتش باهتمام بيها لسببٍ ما. لولا المستوى اللي بدأ بيه المسلسل واستمر فترة أكيد ما كنتش ههتم بقراءة الروايات الأصليَّة. ممتن لأن قراءة الروايات دي ساعدتني على الخروج من حالة اكتئاب سيِّئة جدًّا، وقرار ترجمتها كان من أكثر الحاجات اللي تحمَّست لها وسعيت لها في حياتي، ترجمتها اللي عادت عليَّ بمعارف ما كنتش أتصوَّرها في اللغة العربيَّة قبل اللغة الإنجليزيَّة، ودفعتني إني أتعلِّم من أخطائي وأحسِّن مستوايا مع كل كتاب جديد وأستخدم مفردات جديدة وأهتم أكثر بقواعد اللغة والنحو والصرف والأخطاء الشائعة، وخلِّت اسمي معروف نسبيًّا عند شريحة لا بأس بها من القرَّاء العرب، اللي أتمنَّى يفضلوا يتابعوا شغلي الجديد بعد نهاية السلسلة، لأن مارتن مش آخر المؤلِّفين، وقائمة الأماني عند الواحد طويلة. والترجمة دي علِّمتني حاجات كتير عن ثقافات وشعوب وعادات أخرى في عصور أخرى، منها اللي جزء من البحث اللي المفروض يعمله المترجم أثناء الشغل، ومنها اللي كان صدفة لكن أضاف للواحد معلومات أكثر من أن تُحصى.
والرواية الخامسة «رقصة مع التنانين» شغَّال عليها على قدمٍ وساق علشان مش تطلع في أحسن مستوى بس، لأ، تطلع بمستوى أحسن من الأربعة اللي قبلها.
 أنا كمان اتعرَّفت على أصدقاء من جميع أنحاء العالم وبقينا بنتكلِّم كل يوم تقريبًا في مختلف الحاجات، ونبعت لبعض بطاقات بريديَّة، ونتبادل التهاني والتعازي، ونتبسط مع بعض بالحلو في المسلسل ونشتم مع بعض في الوحش.
فرغم كل شيء، شكرًا «Game of Thrones» على التجربة وعلى الرحلة. أنا ممتن إني كنت جزء من التجربة العالميَّة دي.



هناك 4 تعليقات:

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...