الأحد، 15 مارس 2020

الحياة الأخرى لماريلين مونرو

مقالة بقلم چويس كارول أوتس
من عدد ديسمبر 2010 من مجلة Playboy

هل كانت ضحيَّة لنظام ستوديوهات هوليوود أم متواطِئة معها؟ أيقونة أم فتاة بسيطة من الطبقة العاملة؟


تكهُّنات كثيرة دارت حول ماريلين مونرو منذ وفاتها بجرعةٍ زائدةٍ من المخدِّرات في أغسطس 1962، وأشياء كثيرة نُعِتَت بها، تضمَّنت كلماتٍ مثل (أيقونة) و(سوپر ستار) و(فاتنة)، بالإضافة إلى صِفة (أيقونة جنسيَّة) الأكثر شيوعًا بالطبع، حتى إن من المستحيل تقريبًا أن يستطيع المرء تلافي ملاحَظة أن ماريلين مونرو كانت -فعليًّا- صنيعة لا مثيل لها لاستوديو هوليوود الأشهر Twentieth Century Fox في خمسينات القَرن الماضي. لكن من ناحيةٍ أخرى، كانت ماريلين مونرو تعتبِر نفسها -مثل أمها- مجرَّد فتاة من الطبقة العاملة، تلك الطبقة التي تكوَّنت من الأمريكان المهمَّشين، الذين لم يملكوا في فترة الكساد الأعظم في النصف الأول من القَرن العشرين خيارًا، سوى أن ينضجوا سريعًا ويحاولوا استغلال كلَّ ما لديهم من مهاراتٍ ومواهب.
ليس من المعتاد أن تعرف حقيقة أن فاتنة مثلها قد حَفِيَت قدماها بحثًا عن عملٍ في البدايات.

في Fragments (شظايا) -وهو مزيج من الخطابات واليوميَّات ومُسوَّدات القصائد والملاحظات العشوائيَّة، يُعتقَد أنه يضمُّ كلَّ حرفٍ كتبته في حياتها، باستثناء ملاحظاتها عن التمثيل- تُفصِح ماريلين مونرو عن جانبٍ آخر من نفسها يجهله كثيرون. بعد زمنٍ طويل من تحوُّل مونرو إلى الأيقونة التي يعرفها الجميع -في منتصف الثلاثينات من عمرها، قُرب النهاية المأساويَّة لحياتها القصيرة- ستعرف من خلال هذه الأوراق أن الممثِّلة الراحلة كانت شديدة القسوة على نفسها عندما تنتقدها، مهووسة بتحسين أدائها، ونهمة لتعليم نفسها بالقراءة.

بخلاف الشهور التي حملت فيها مرَّتين (وقد انتهى الحملان بالإجهاض، في 1957 و1958، عندما كانت متزوِّجة بآرثر ميلر)، فقد كانت مونرو تعمل طوال الوقت، بدايةً من 1945 (كموديل) وحتى ربيع 1962 (في الفيلم المبتذَل Something’s Got to Give الذي طُرِدَت منه). بعد طلاقها من زوجها الثاني چو ديماچيو ورحيلها من هوليوود سنة 1954، لتصبح طالبة في ستوديو الممثِّلين في نيويورك، كانت مونرو تأمل أن تصبح ممثِّلة مسرحيَّة تلعب أدوارًا في مسرحيَّات تشيخوڤ وشيكسپير، وكانت مستعدَّة تمامًا لأن تلتزم بنظام تدريبات التمثيل، كأنها ممثِّلة غير معروفة ما زال مسارها المهني الاحترافي الحقيقي ينتظرها.
كانت مونرو تلجأ إلى لي ستراسبرج، مدير ستوديو الممثِّلين، باعتباره منقِذها، وفي واحدةٍ من الرسائل تقول له:
«العزيز لي، أشعرُ بالحَرَج لكتابة هذا، لكني أشكرك على تفهُّمك وتغييرك لحياتي -وإن كنت لا أزال أشعر بالضياع رغم هذا التغيير، ولا أقدر على استجماع شتات نفسي- بينما يتَّحد كلُّ شيءٍ آخر حولي ليسلبني تركيزي، جاعلاً كلَّ ما أحاول فعله في حياتي شبه مستحيل. عندما سمعتك تتكلَّم للمرَّة الأولى في ستوديو الممثِّلين، كنت تقول إن التركيز وحده يفصل بين الممثِّل والانتحار. لكن بمجرَّد أن أبدأ تصوير أيِّ مشهد، أجد أن هدوئي النفسي قد راح مني لسببٍ ما لا أدريه، فيتشتَّت تركيزي. كلما وقفت أمام الكاميرا، وجدت أن كلَّ ما تعلَّمته يتلاشى من داخلي، وعندها أشعر كأنني لست إنسانة أصلاً».

وُلدَت مونرو باسم نورما چين بيكر في 1 يونيو 1926، في جناح الصَّدَقة بمستشفى لوس أنچليس العام، لأمٍّ تعمل كمونتيرة للأفلام في هوليوود اسمها جلاديس پيرل بيكر، لكنها لم تعرف أباها قَط، لذلك كنت تجد نورما چين بيكر/ماريلين مونرو تتصرَّف كواحدةٍ من شخصيَّات قصص الأخوين جريم الأكثر قسوة، وتبحث عن أبيها الغائب طوال حياتها في الرجال الذين أحبَّتهم، حتى إنها كانت تنادي الواحد منهم باسم (بابا) في متتاليةٍ من العلاقات المنقوصة تُوِّجَت سنة 1961 بعلاقةٍ بأقوى رجل في الولايات المتحدة الأمريكية، الرئيس چون كندي، قبل أقل من عامٍ واحد من وفاتها.
وعلى الرغم من حضور أمها المستمر في حياتها عندما كانت طفلة، فإن جلاديس پيرل بيكر كانت غائبة عنها بشكلٍ آخر في الآن ذاته، إذ كانت تعاني من الحالة التي أصبحت معروفة الآن باسم الاضطراب ثنائي القُطب، وكثيرًا ما حاولت الانتحار ودخلت عددًا كبيرًا من المصحَّات النفسيَّة للعلاج، وهو ما أدى إلى عدم استطاعتها تكوين رابطٍ عاطفي مع ابنتها نورما چين، وجعلها تضعها في ملاجئ للأيتام عدَّة مرَّات. المثير للسخرية المريرة هنا أنه، لأن أم نورما چين الصغيرة كانت على قيد الحياة، فلم يكن من الممكن وضعها على قوائم الأطفال المرشَّحين للتبنِّي كبقيَّة الأطفال.

وكما كان حُلم نورما چين بيكر أن تعيش مع أمها وتعثر على أبيها الغائب، كان حُلم ماريلين مونرو ألا يساعدها مدير ستوديو الممثِّلين على تغيير حياتها الخارجيَّة دائمة الاضطراب فحسب، بل أن يتمادى إلى محاوَلة تغييرها هي نفسها من الداخل كذلك.
في ديسمبر 1961، في خضم حالتها النفسيَّة شديدة السوء بعد فشل زيجتها الثالثة -بآرثر ميلر- تجد أن أسلوب خطاب مونرو لستراسبرج يحمل مسحة لا يمكن تجاهُلها من اليأس:
«طيلة سنواتٍ وأنا أكافح للعثور على شيءٍ من الأمان النفسي مع القليل من النجاح، لكن فقط خلال الشهور القليلة الماضية أجد نفسي وقد بدأت بداية متواضعة أخيرًا. إن أملي أن أجد قطعة من الأرض الثابتة أضع قدمي عليها، بدلًا من الرمال المتحرِّكة التي طالما غُصت فيها... لكن الدكتور جريسن تتَّفق مع ما قلته أنت؛ إنه كي أعيش حياة معقولة فيها إنتاج حقيقي، فلا بد أن أعمل وأعمل وأعمل! ولا يقتصر العمل على الأداء الاحترافي فحسب، بل أن أدرس وأكرِّس نفسي تمامًا كذلك. إن عملي هو الأمل الحقيقي الوحيد الذي أملكه».

سيندهش محبو ماريلين مونرو عندما يعرفون أنها، طوال حياتها كممثِّلة، لم تستطع قَط أن تُرسِّخ نفسها لدى ستوديوهات هوليوود كممثِّلة من الصَّف الأول على غرار زميلاتها المعاصرات، مثل چين راسل وإيڤا جاردنر وإليزابث تايلور ودوريس داي، بل كانوا يعتبرونها دائمًا ممثِّلة من الصَّف الثاني مهما حاولت واجتهدت وتنوَّعت أدوارها. في وقت كتابة ذلك الخطاب كانت مونرو تتمنَّى التحرُّر من سيطرة ستوديوهات Twentieth Century Fox عليها وتأسيس شركة إنتاج مستقلَّة بمساعدة صديقها مارلون براندو، بالإضافة إلى ستراسبرج، لكن محاولاتها باءت بالفشل، تمامًا كمحاولتها الأولى قبل سبع سنوات. يقال إن حظ مونرو العاثر هو ما جعلها تعيش في حقبةٍ لم يكن الممثِّلون والموسيقيُّون والرياضيُّون المحترفون يملكون فيها ما يكفي من قوَّةٍ لمناقشة عقودهم بأنفسهم، وإنه لو كانت قد جاءت بعد عقدين فقط من الزمن، لكانت قد سبقت مادونا بمراحل.

عن حُلمٍ راودها ورأت نفسها فيه تخضع لعمليَّة جراحيَّة على يد ستراسبرج ومعالِجتها النفسيَّة في نيويورك، الدكتور مارجريت هوهنبرج، كتبت مونرو قائلة إنها اكتشفت أنها خاوية تمامًا من الداخل:
«يشعر ستراسبرج بخيبة أملٍ شديدة فيَّ، والأهم أنه يشعر بالدهشة من نفسه لأنه ارتكب خطأً كهذا من الناحية الأكاديميَّة. كان يحسب أن المستقبَل يحمل الكثير جدًّا، أكثر مما كان يتصوَّر أو يحلم، لكنه لم يجد شيئًا من هذا أعطيه إياه في النهاية».

في فبراير 1961، مع تراجُع دعم ستوديو الممثِّلين لها، ومع فشل خمس جلسات من العلاج النفسي أسبوعيًّا، أصيبت مونرو بواحدٍ من أسوأ الانهيارات العصبيَّة في حياتها، وأُجبرَت على دخول مصحَّة نفسيَّة، ثم إنها كتبت لاحقًا بشيءٍ من السخرية عن الشعور بالإهانة والألم والغضب الذي أصابها هناك:
«لم يكن هناك أيُّ نوعٍ من التعاطُف في هذا المكان، وكان تأثيره عليَّ في غاية السوء. بعد أن وضعوني في "زنزانةٍ" للمرضى شديدي الاكتئاب -وكانت بالفعل غرفة من الأسمنت المصمت الكئيب- شعرت بأنني مسجونة لجريمةٍ لم أرتكبها. سألوني لِمَ لا أشعر بالسرور لوجودي في هذا المكان، فقلت لهم: إذا شعرت بالسرور لوجودي هنا، فأنا مجنونة!».

يتكوَّن أول ما كتبته مونرو في Fragments من صفحاتٍ مفردة تعود إلى سنة 1943، عندما كانت متزوِجة بتاجر بحري يُدعى چيمس دوجرتي، الذي كان ابن الجيران وتزوَّجته بعد أسبوعين من عيد ميلادها السادس عشر، كي لا يعيدوها مرغمةً إلى الملجأ الذي كانت تقطن فيه حتى تبلغ السِّن القانونيَّة. كانت مونرو تكتب عن عدم إخلاص دوجرتي لها وعلاقاته المتعدِّدة بفتياتٍ غيرها، وبعدها بفترةٍ قصيرة بدأت العمل في شركة Radio Plane Company، حيث اكتشفها مصوِّر من مجلة Yank لتصبح موديلًا واعدة في واحدةٍ من وكالات هوليوود، حيث شجَّعوها على صبغ شعرها الأسود باللون الأشقر، فكانت النتيجة أنها تحوَّلت سريعًا إلى نجمةٍ صاعدة تعمل لحساب ستوديوهات Twentieth Century Fox، التي منحتها اسم شهرتها، ماريلين مونرو.
لم تدُم زيجة ماريلين مونرو الثانية -بچو ديماچيو- أكثر من تسعة أشهُر، كانت تحوَلت في أثنائها من النجمة الصاعدة إلى السوپر ستار المعروفة، خصوصًا مع الحملة الإعلانية المكثَّفة التي نالها فيلمها Niagara، الذي حقَّق نجاحًا هائلًا في شباك التذاكر، مثله مثل عددٍ من أفلامها الأخرى الشهيرة، كـGentlemen Prefer Blondes وHow to Marry a Millionaire وطبعًا Some Like It Hot، أنجح أفلامها على الإطلاق.
وكان The Misfits، آخر أفلام مونرو المكتملة، والذي كتبه آرثر ميلر وعُرِض سنة 1961، يختلف تمامًا في القيمة الفنيَّة عن أفلام (الشقراء البلهاء) التي اشتهرت بسببها، وإن لم ينل إلا القليل من النقد الإيجابي، وكان أداؤه في شباك التذاكر ضعيفًا.

ماريلين مونرو وآرثر ميلر


ويبدو أن فشل زيجتها الأخيرة -بآرثرميلر- سنة 1960 قد أضاف إلى حالتها النفسيَّة غير المستقرَّة، لكن أوراق مونرو لا تضمُّ أيَّ شيءٍ على الإطلاق عن تلك الفترة الأخيرة في حياتها، التي أدمنت فيها المخدِّرات ودخلت فيها في علاقة فاشلة من الرئيس كندي ثم أخيه روبرت، كأنها توقَّفت عن كتابة تلك الرسائل العلاجيَّة لنفسها، ولا توجد أيُّ إشارةٍ البتة لإدمانها واعتناقها اليهودية من أجل آرثر ميلر، أو حتى أفول نجمها مع فشل أفلامها الأخيرة.
ثم، في عدد 17 أغسطس سنة 1962، ظهرت الجميلة ماريلين مونرو للمرَّة الأخيرة على غلاف مجلة Life، بعد العثور عليها ليلة 5 من الشهر نفسه ميتة في بيتها الصغير بجرعةٍ زائدةٍ من المخدِّرات.
في حوارٍ معها سنة 1959، قالت ماريلين مونرو: «أعتقد أنني حُلم لا أكثر، مجرَّد طيفٍ عابر في حياة الآخرين».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...