الأربعاء، 29 مايو 2019

مقتطف من «رقصة مع التنانين»

الكتاب الخامس من «أغنية الجليد والنار»
نهاية العام، عن دار التنوير
ترجمة: هشام فهمي


بَعد المعركة تقدَّم آلاف منهم قاطعين الغابة بمشقَّة، يُقاسون الجوع والخوف في فرارهم من المقتلة التي حلَّت بهم عند (الجِدار). بعضهم تكلَّم عن العودة إلى البيوت التي هجروها، وبعضهم عن شَنِّ هجمةٍ ثانية على البوَّابة، إلَّا أن أكثرهم مضى تائهًا لا يدري أين يذهب أو ماذا يفعل. لقد فرُّوا من الغِربان ذوي المعاطف السَّوداء والفُرسان المدرَّعين بالفولاذ الرَّمادي، لكن أعداءً أقسى يتصيَّدونهم الآن، وكلَّ يومٍ يُخلِّفون مزيدًا من الجُثث في أعقابهم، منهم من ماتَ جوعًا ومن ماتَ بردًا ومن ماتَ مرضًا، ومنهم آخَرون قتلَهم من كانوا إخوتهم في السِّلاح عندما زحفوا جنوبًا مع مانس رايدر، ملك ما وراء الجِدار.
وقال بعض النَّاجين لبعض بنبراتٍ يائسة: سقطَ مانس، أُسِرَ مانس، ماتَ مانس، وبينما تخيط ثيسل جرحه قالت له: «هارما ماتَت، ومانس أسير، والباقون هربوا وتركونا. تورموند والبكَّاء وسِت جلود، كلُّ أولئك المُغيرين الشُّجعان، أين هُم الآن؟».
حينها أدركَ ڤارامير أنها لم تتعرَّفه. ولِمَ تتعرَّفني؟ إنه لا يبدو كرجلٍ عظيم في غياب وحوشه. كنتُ ڤارامير سِت جلود الذي شاركَ مانس رايدر طعامه وشرابه. ڤارامير هو الاسم الذي أطلقَه على نفسه في سِنِّ العاشرة. اسم يليق بلورد، اسم للأغاني، اسم قوي مهيب. وعلى الرغم من ذلك فَرَّ من الغِربان كالأرنب المذعور. اللورد ڤارامير الرَّهيب أصابَه الجُبن، لكنه لم يحتمل أن تعرف هي ذلك، فأخبرَ الزَّوجة الحربة بأن اسمه هاجون، وبَعدها تساءلَ لِمَ خرجَ هذا الاسم تحديدًا من بين شفتيه دونًا عن كلِّ الأسماء الأخرى التي كان بإمكانه أن يختارها. أكلتُ قلبه وشربتُ دمه، ولا يزال يُطارِدني.
ذات يومٍ في أثناء فرارهم جاءهم خيَّال يُهروِل قاطعًا الغابة بحصانٍ أبيض أعجف، يصيح فيهم أن يتَّجهوا جميعًا إلى (النَّهر اللَّبني)، وأن البكَّاء يجمع المُحاربين من أجل عبور (جسر الجماجم) والاستيلاء على (بُرج الظِّلال)، فتبعَه كثيرون لكن أكثرهم لم يفعل. بَعدها تنقَّل مُحارب قاسي الملامح يرتدي الفرو المزيَّن بالكهرمان من بؤرة نارٍ إلى أخرى يحثُّ جميع النَّاجين على التَّوجُّه شمالًا واللُّجوء إلى وادي الثِّنِّيين. لم يُدرِك ڤارامير قَطُّ لماذا حسبَ الرَّجل أنهم سيكونون آمنين في المكان الذي فَرَّ منه الثِّنِّيون أنفسهم، لكن مئاتٍ تبعوه، في حين ذهبَ مئات غيرهم مع ساحرة الغابات التي رأت في رؤيا أسطولًا من السُّفن الآتية لحمل شعب الأحرار جنوبًا. صاحَت الأُم مول: «علينا أن نسعى إلى البحر»، واتَّجه أتباعها معها شرقًا.
لو أنه أقوى لكان ڤارامير معهم، لكن البحر كئيب بارد بعيد، وهو يعرف أنه لن يعيش حتى يراه أبدًا. لقد ماتَ تسع مرَّاتٍ والآن يُحتضَر، وستكون هذه ميتته الحقيقيَّة. معطف من فرو السَّناجب، طعنَني من أجل معطفٍ من فرو السَّناجب.
كانت صاحِبته ميتةً، وقد تهشَّمت مؤخِّرة رأسها وتحوَّلت إلى كتلةٍ من العجين الأحمر المرقَّط بقِطع العظم المكسور، لكن معطفها بدا ثقيلًا سميكًا. كان الثَّلج يَسقُط، وڤارامير فقدَ معاطفه كلَّها عند (الجِدار). الجلود التي ينام تحتها، وثيابه الدَّاخليَّة الصُّوف، وحذاؤه المصنوع من جِلد الخراف، وقُفَّازه المبطَّن بالفرو، ومخزونه من نبيذ العسل ومؤونته من الأطعمة... كلُّ هذا فقدَه وتركَه وراءه. احترقتُ ومِتُّ ثم هربتُ منتابًا بجنون الألم والرُّعب. ما زالَت الذِّكرى تُشعِره بالخزي، لكنه لم يكن وحده. هناك آخَرون غيره هربوا أيضًا، مئات منهم، آلاف. خسرنا المعركة، جاءَ الفُرسان بفولاذهم لا يُقهَرون، يَقتُلون كلَّ من ظَلَّ يُقاتِل. كان إمَّا الهرب وإمَّا الموت.


هناك تعليق واحد:

  1. إلتفاف ستانين باراثيون على الهمج وراء الجدار

    ردحذف

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...