الخميس، 9 أبريل 2020

بتصرُّف من مقال على «النيويوركر» بعنوان «حقيقة طاعون نيوتن المُثمر»، بقلم توماس لڤنسون:




في الخامس والعشرين من يوليو عام 1665، عُثر على طفلٍ في الخامسة اسمه چون مورلي، تابع لأبرشيَّة الثالوث المقدَّس في مدينة كامبريدچ الإنجليزيَّة، ميتًا في بيته، ولمَّا فحصَ مسؤولو المدينة جثَّته لاحظوا بُقعًا سوداء على صدره، علامة لا ريب فيها على الطاعون الدُّمَّلي. كان مورلي أول حالة يُعرَف بإصابتها ووفاتها بهذا المرض في كامبريدچ في ذلك العام، وهو ما كان إشارةً إلى أن الوباء الذي تفشَّى في لندن في ذلك الربيع قد بلغ المدينة. في الحال تقريبًا هرع الأهالي يعزلون أنفُسهم في الريف، وبين الفارِّين كان باحث شاب في كلِّيَّة ترينيتي (الثالوث) يُسمَّى آيزاك نيوتن. كانت دار نيوتن مزرعةً تحمل اسم وولزثورپ، تَبعُد نحو ستين ميلًا عن الجامعة، ولأنها بعيدة مسافةً كافيةً عن أقرب بلدة، فهناك، وفي عُزلةٍ شبه تامَّة، وضع نيوتن أُسس حساب التفاضل والتكامل وقوانين الحركة، واكتشف الجاذبيَّة، وأكثر.

خلق الطاعون الظروف المثالية لخلق العلم الحديث.

أو أن هذا ما تَزعُمه القصَّة.

والآن وقد فرض ڤيروس الكورونا عُزلته الخاصَّة، إذا بعام نيوتن في العُزلة يُباع باعتباره مثالًا يُحتذى. هذا الموضوع المرح في الواشنطن پوست عيِّنة من مقالاتٍ عديدة منتشرة الآن: «إذا كنت تعمل أو تدرس من المنزل خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فيَجدُر بك أن تتذكَّر نموذج نيوتن». بطبيعة الحال كانت مواقع التواصل الاجتماعي أشد تطرُّفًا. اكتُب تلك الرواية، أو ذلك السيناريو، وإن لم يكن فعليك على الأقل أن تُعيد تركيز حياتك وتجد هدفك. إن لم تفعل فقد رسبت في امتحان الوباء المنزلي. نيوتن استطاع أن يُغيِّر صورة الكون، أفلا يُمكننا أن نُرتِّب خزانة الثياب؟

نعم، لا يُمكننا. جزئيًّا، لأن لا أحد منا، بالإضافة إلى جميع البشر عبر التاريخ تقريبًا، سيَبلُغ مستوى إنجازاته أبدًا. أمَّا صُلب المسألة، ففكرة أن الطاعون أيقظ عبقريَّة نيوتن مغلوطة ومضلِّلة إذا اتَّخذناها مقياسًا لنجاحنا في استغلال أنفُسنا خلال ربيع طاعوننا نحن. «سقوط التفَّاحة على الرأس» جزء من المشكلة. كانت هناك شجرة تفَّاح حقًّا على الجانب الآخر من الدَّرب قُبالة باب نيوتن الأمامي، وما زال بُستان صغير ناميًا هناك حتى الآن. في مرحلةٍ متأخِّرة جدًّا من حياته حكى نيوتن نفسه القصَّة: كيف كان يتأمَّل شجرته ذات يومٍ عندما أدرك أن القمر في مداره والتفَّاحة على غُصنها خاضعان للقوى الطبيعيَّة نفسها. من السهل أن يثب المرء من ذكرى رجلٍ مُسن إلى أن هدوء الريف أشعل شرارة ميلاد حقولٍ جديدة من المعرفة. إنها الحكاية الخرافيَّة الشهيرة عن العبقريَّة، أن الأفكار العظيمة لا تتطلَّب عملًا مرهقًا ينطوي على الانتباه الممتد والتفكير العميق، بل تصل في صورة صواعق رعدٍ من الإلهام، الذي يجب أن يأتي في الظروف السليمة، كالعُزلة الإجاربيَّة في أثناء وباء!

صحيح أن نيوتن أخرج عددًا لا يُصدَّق من النتائج الاستثنائية خلال العامين اللذين أمضاهما في مزرعته، لكن المخادع في الأمر أن نيوتن أطلق عقله على جميع المشاكل العلمية التي واجهته من قبل ما إن منحه الطاعون هديَّة العُزلة.

بعد أن جرى الوباء مجراه أخيرًا في 1666، واصل نيوتن ممارسة العمل ذاته لدى عودته إلى الكلِّيَّة. لمَّا سُئل كيف حلَّ مشكلة الجاذبيَّة، أجاب: «بالتفكير المستمر فيها».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...