الثلاثاء، 22 يناير 2019

نظريَّة: البطل الحقيقي في «فارس الظلام» هو الچوكر

على الرغم من أن الچوكر كذَّاب ومختل نفسيًّا، إلا أنه في الحقيقة البطل الفعلي في The Dark Knight. قبل ظهور الچوكر كانت الفوضى ضاربةً أطنابها في جوثام؛ قطاعات كاملة من المدينة مغلقة بسبب الجنون (يقصد هنا الغاز المسبب للجنون في Batman Begins)، والجريمة المنظَّمة مستفحلة، والغالبيَّة العُظمى من مسؤولي المدينة فاسدة لأقصى حد، علاوة على أن المدينة تسامحت مع وجود مارقٍ يقتصُّ من المجرمين هنا وهناك وهو يرتدي بذلةً من المطَّاط. (حسن، يرتدي بذلة واقية خاصَّة من ألياف الكربون، لكنهم لا يعرفون هذا).



ثم يأتي الچوكر، وفي خلال فترةٍ قصيرةٍ للغاية كان قد تم القضاء على الجريمة المنظَّمة كلها تقريبًا، وكثير من المسؤولين الفاسدين إما سُجن أو مات، ناهيك بأن حارس المدينة المقنَّع توارى تمامًا لمدَّة ثمان سنوات. كلُّ هذا كان جزءًا من خطَّة الچوكر التي نفَّذها بمنتهى الأستاذيَّة.

يجب أن يُدرك الجميع أن الچوكر -على الرغم من ادِّعائه العكس- كان ”الرجل صاحب الخطَّة“ فعليًّا طوال أحداث الفيلم، فأول شيءٍ رأينا الچوكر يفعله هو السطو على البنك الذي تتحكَّم فيه المافيا، ثم التخلُّص من فريق لصوص البنوك الخبراء بأكمله بعد أن ساعدوه على تنفيذ العمليَّة. طبعًا لم يكن الغرض من عمليَّة السطو هو النقود في حدِّ ذاتها، بل استدراج لاو للخروج من مكمنه، ويُفضَّل أن تظهر معه أموال عائلات الجريمة المنظَّمة الكُبرى كلها.

وتنجح الخطَّة كأحسن ما يكون، وكما توقَّع الچوكر، يذهب باتمان إلى هونج كونج كي يوقع بلاو ويُسلِّمه للعدالة في جوثام؛ والآن أصبح لاو في مكانٍ آمن، وهو مكان من المدهش أن الچوكر يستطيع الوصول إليه بسهولة. كلُّ هذا بالطبع هو حبكة الفيلم فقط، لكن الچوكر يلعب لعبته بشكلٍ رائع، فيقتل بعض كبار المجرمين والمسؤولين الفاسدين الذين يقدرون على عزل من هُم على القمَّة. الحقيقة أن هارڤي دِنت نفسه طرح فكرة عزل الكبار في صالح تنظيف الشوارع من المجرمين صغيري الشأن، لكن الچوكر كان يعلم أن هذا لن يصلح على المدى الطويل.

في هذه المرحلة نجد فعلًا أن هناك ثلاثة رجال يتقاتلون على ”روح“ جوثام (كما قالها الچوكر)، لكن كلَّ ما يفعله دِنت وواين هو أنهما يلعبان دورهما المرسوم في خطَّة الچوكر الكُبرى، ويمتدُّ هذا إلى تهديد الچوكر بتفجير مستشفى. بمساعدة باتمان وجوردون، يُساعدالچوكر أيضًا على استئصال قيادات الشرطة الفاسدة، بل إن دِنت يقتل عددًا منهم كذلك لاحقًا.

كانت ترقية جوردون بمثابة خدمةٍ عظيمة لجوثام أيضًا. أظنُّ أن كثيرين يعتبرون تصفيق الچوكر في مشهد ترقية جوردون سخريةً، لكن اعتقادي في الحقيقة هو أن الچوكر كان مؤمنًا بجوردون حقًّا، باعتباره واحدًا من الضبَّاط القلائل الغير قابلين للإفساد.

هكذا أصبح الطريق مفتوحًا أمام الچوكر للتخلُّص من مشكلة الجريمة المنظَّمة ومشكلة المسؤولين الفاسدين، لكن تتبقَّى أمامه مشكلة المارق المقنَّع. كما رأينا في بداية الفيلم، ألهم باتمان عددًا من المارقين بتطبيق العدالة بأنفسهم، والمجتمع لا يُمكن أن يتماسك بينما يأخذ كلُّ رجلٍ حقَّه بيده. في رأي الچوكر، لا بد من القضاء على رمز الخوف والانتقام الجامح هذا، لكن ليس بقتله، لأن قتله سيجعل منه شهيدًا لا أكثر، وسيعيش رمزه من بعده. طبعًا لأن دِنت كان رمزًا أفضل بكثير للمدينة، فهذا يجعل منه شهيدًا أفضل بكثير بالضرورة.

لا أدري إن كانت نيَّة الچوكر أن يتعرَّض هارڤي لهذا التشويه الجسدي نتيجةً للانفجار الذي أنقذه منه باتمان، لكني متأكِّدٌ من أنه أراده أن يشعر بألم خسارة ريتشل كاملًا، وهو ما جعله يُرسل باتمان إلى العنوان الخطأ عمدًا. كان الچوكر يعرف ما سيفعله موت ريتشل في هارڤي نفسيًّا، وأن باتمان لن يملك خيارًا في النهاية غير أن يقتل هارڤي، وهو ما أحدث شرخًا عميقًا في نفس باتمان وجعل منه شرِّيرًا حقيقيًّا من النوع الذي يتخلَّى عن مبادئه. الآن لم تعد هناك خيارات أمام باتمان غير الاختفاء، تاركًا ذكراه تبهت وتتحوَّل إلى أسطورة حضريَّة مع الوقت كما رأينا في The Dark Knight Rises.

عندما نعود إلى جوثام في الجزء الجديد، نرى بروس واين المهزوم الذي تقاعد قبل ثمانية أعوام، والمدينة آمنة هادئة (إلى أن يظهر باين)، وليست في حاجة إلى أن من يقتصُّ من المجرمين بيديه ليحافظ على أمن المدينة. لقد جعل الچوكر باتمان يُدرك خطأ فلسفته، لكنه فعل هذا بأسلوبٍ مدمِّر تمامًا.

حتى مشهد السفينتين في ذروة الفيلم خدمَ فقط في أنه برهن لأهل جوثام على أنهم لن ينقلبوا على بعضهم بعضًا، وأثبت أن هناك بعض الخير حتى في أعتى نزلاء سجون جوثام طرًّا.

في النهاية تصير جوثام نظيفةً بالفعل، وليس بفضل هارڤي دِنت الذي مات مبكِّرًا قبل أن يقوم بإنجازاتٍ حقيقيَّة، وليس بفضل باتمان الذي نُبِذَ طوال ثمان سنوات وعومل كالمجرم الذي كانه حقًّا. أصبحت جوثام آمنةً لأن الچوكر نظَّف الشوارع من الحثالة، وقضى على رجال الشرطة الفاسدين، ودمَّر الجريمة المنظَّمة ماليًّا، ورفع روح أهل جوثام المعنويَّة، بل وتخلَّص كذلك من هذا الحشرة المجنَّحة الذي ظلَّ يُفسد جوثام منذ نصَّب نفسه حاميًا لها.

الموضوع الأصلي: https://goo.gl/9EWsQo
مختصر النظرية كما نشرته جريدة The Independent: http://goo.gl/aEUBTn

هناك تعليق واحد:

مقتطف من ترجمة غير منشورة لـ«سيِّد الخواتم»

چ. ر. ر. تولكين، «سيِّد الخواتم: رفقة الخاتم» واصَلوا الحركة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تكلَّم جيملي، الذي يملك عينيْن ثاقبتيْن في ا...