ما فعله شيكسپير في أثناء الطاعون
سواء أكان المسرح يمدُّنا بتسليةٍ تُلهينا عن «أخبار المساء»، أم السبب في مزيدٍ من المعاناة، فهذا الجدل يرجع -على الأقل- إلى عصر شيكسپير. خضعَت المسارح الإليزابيثيَّة في لندن للإغلاق المستمر خلال أوقات تفشِّي الطاعون الدُّمَّلي، الذي أتى على ثُلث أهل المدينة تقريبًا، وكان القرار الرسمي أنه ما إن يتجاوز معدَّل الوفيَّات الثلاثين شخصًا في أسبوع فستُلغى العروض المزمع إقامتها. (وقت أن كان رضيعًا نجا شيكسپير نفسه بالكاد من الطاعون الذي قتل إخوته). مثل حاكم نيويورك الذي منع تجمُّع أكثر من خمسمئة فردٍ في مكانٍ واحد، شعر مسؤولو لندن في القرن السابع عشر من أن الناس المتوافدين على المدينة «لمشاهدة مسرحيَّات معيَّنة» سيكونون «محتشدين معًا في غُرف صغيرة»، خالقين الظروف التي «من شأنها أن تتسبَّب في انتشار عدوى الطاعون أو غيره من الأمراض، وهو ما سيضرُّ للغاية بالثروة المشتركة لهذه المدينة».
في العقد الأول من حُكم الملك چيمس كان الطاعون يعني أن مسارح لندن مغلقة أكثر من مفتوحة، واضطرَّت فرقة شيكسپير، «رجال الملك»، إلى الاعتماد على العطايا الملكيَّة والجولات الإقليميَّة عوضًا عن خسائر شبَّاك التذاكر. في «عام لير» يلحظ الباحث چيمس شاپيرو أن مختصِّي الأوبئة الناشئين آنذاك لم يكونوا الوحيدين الذين لاموا السائحين على انتشار المرض، بتنفُّسهم الهواء الملوَّث نفسه في مواقع الترفيه المغلقة، ذلك أن المتعصِّبين الدينيِّين أيضًا هاجموا لا أخلاقيَّة المسرح المزعومة، حيث التجديف والخلاعة وارتداء ثياب الجنس الآخر، وأعلن أحد المبشِّرين الإليزابيثيِّين أن «سبب الطاعون الخطيئة»، و«سبب الخطيئة المسرحيَّات»، ثم «سبب الطاعون المسرحيَّات».
والعكس بالعكس، قد يتسبَّب الطاعون في المسرحيَّات. منذ زمنٍ طويل يُعتقَد أن شيكسپير التفت إلى الشِّعر حين أغلق الطاعون المسارح في 1593، ففي ذلك الحين نشر قصيدته السرديَّة الشهيرة «ڤينوس وأدونيس». يبدو أن من شأن الطاعون أن يكون محفزًا على الشِّعر العاطفي. على أن شاپيرو يقترح أن إغلاقًا آخر للمسارح في 1606 أتاح لشيكسپير، الممثِّل والشريك المساهم في «رجال الملك»، أن يفرغ من كتابة عدد كبير من الأعمال الدراميَّة، لسداد الطلب على المسرحيات الجديدة خلال موسم الأعياد المزدحم في البلاط، وطبقًا لشاپيرو فقد أنتج شيكسپير «الملك لير» و«مكبث» و«أنطونيو وكليوپاترا» في ذلك العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق