بقلم چيم نورتون، الكوميديان والكاتب الأكثر مبيعًا على قائمة New York Times، ومُقدِّم برنامج The Jim Norton Show
دائمًا ينتابني
إحساسٌ قويٌّ بالضياع عندما يُنهي واحدٌ من الرِّفاق مدمني المخدِّرات أو الكحول
حياته، ربما لأن هذه الفِكرة لازَمَتني كهَوَسٍ دائمٍ لسنوات، ولأنني قطعتُ
شراييني عِدَّة مرَّات، إلى أن اُجبِرتُ على دخول مصحَّة لإعادة التأهيل والإقلاع
عن المخدِّرات في سِنِّ الثامنة عشرة.
لن يعرف أحد أبدًا
ما الذي كان روبن ويليامز يُفكِّر فيه بالضبط عندما اتَّخذ قرار إنهاء الألم الذي
عاناه بتلك الطريقة، لكنني أعرف أنه لم يكن يرى نفسه كما رآه بقيَّتنا.
التقيتُ روبن
ويليامز للمرَّة الأولى سنة 1998، عندما جاء إلى نيويورك سيتي كضيف شرفٍ في Comedy Cellar. ثمَّة نزعة لدى الكوميديانات
تجعل إثارة إعجابهم بعملٍ كوميديٍّ ما شيئًا مستحيلًا، ويحبُّون توكيد هذه النقطة
بشِدَّة عندما يُقدِّم كوميديانات آخرون أكبر قيمةً وأكثر شُهرةً منهم فقراتٍ
أمامهم. على أنني لاحظتُ في تلك الليلة بالذات أن لا أحد من الكوميديانات الحاضرين
غادَر بعد أن فرغ روبن من فقرته. تحجَّج كلٌّ منا بشيءٍ ما كي يبقى، ولا أحد منا
أراد الاعتراف بهذا، لكن روبن ويليامز كان يؤدِّي فقرته، وشعرنا كلنا بإثارةٍ
شديدة أجبرتنا على البقاء ومُشاهَدته.
في موقفٍ كهذا
كانت أي مجموعةٍ أخرى من الكوميديانات لتقف منتظرةً إياه في الخارج حاملةً رايات
الترحيب، لكن الكوميديانات عبارة -في الحقيقة- عن مجموعةٍ من الحمقى تُحبِّذ الجلوس
في الخلفيَّة بقلوبٍ تنبض يسرعة وأذرُعٍ معقودة على الصدور وملامح تتظاهَر بعدم
الاهتمام. ليلتها كان أكثر ما أثار انتباهي بخصوص روبن اهتمامه البالغ بأن يُعجِب الكوميديانات
الآخرين، وفي تلك الليلة -والليالي الأخرى المشابِهة التي تلتها على مرِّ الأعوام-
كان يأتي دائمًا للجلوس معنا إلى مائدة الكوميديانات (التي اشتهرت في مسلسل Louie).
كان يتسيَّد
الحوار بسهولة، وكلنا يعرف الفرق بين من يكون ومن نكون، إذ كان روبن واحدًا من
هؤلاء الكوميديانات القلائل الأكبر من الحياة، الذين بإمكانهم بمنتهى البساطة أن
يجلسوا مع عددٍ من الكوميديانات الآخرين ويُجبرِونهم على الإصغاء إليهم. لكنه لم
يكن يفعل هذا بالضبط، بل يتبادل الدُّعابات والضَّحكات معنا ويتعامل بمنتهى
التواضُع، وربنا لم يعرف قَطُّ كم أحببناه لهذا السَّبب.
لا شكَّ على
الإطلاق في أن روبن خاض صراعًا مع الاكتئاب والإدمان على مدى أعوامٍ طويلة، وعن
نفسي أعرف كوميديانات كثيرين يصارعون بدورهم شياطين كراهية النَّفس وتدمير الذَّات.
ومع أن أيام تدميري لذاتي قد انتهت عندما أقلعتُ عن المخدَّرات، فإن فكرة الانتحار
ظلَّت عالقة أمامي طوال الوقت، كأنها خيار أخير موضوع وراء حاجزٍ من الزجاج يمكنني
أن أكسره في حالة الطوارئ، وقد سحرتني فكرة أن أختار مَخرَجي من هذا العالم بنفسي.
لكن عندما جاء اليوم
الذي انتحر فيه روبن، وجدتُ الفكرة مُزعِجة وغير ضروريَّة على الإطلاق؛ لا تحمل
أيَّ نوعٍ من الانتصار أو السِّحر، بل حملت كلَّ الحُزن والخواء والنَّقص.
إن أكثر من أعرفهم
طرافةً يبدون لي أكثر أناسٍ محاطين بالظلام، ولعل هذا هو السبب وراء كونهم الأكثر
طرافة... كلما كانت الحُفرة أعمق كان عليك أن تتحلَّى بحِسِّ الدُّعابة كي تحفر لنفسك
طريق الخروج.
تطوَّرت
الكوميديا عبر الزمن من السقوط بالمقاعد وإلقاء كعكة في وجه أحدهم إلى نواحٍ أخرى
أكثر خصوصيَّة وواقعيَّة مع مجيء أمثال لني بروس وريتشارد پرايور وچورچ كارلن،
وبدأ الجمهور يرى -من خلال الملاحظات العبقريَة حقًّا التي تُلقَى والصراع على
الملأ مع الشياطين الشخصيَّة- أن أكثر من يُضحكونه هُم أقل من يستمتعون بالحياة. قد
تُخفي تلك النِّكات والدُّعابات وراءها شيئًا أكثر كآبة، وهكذا بدأت الشقوق تظهر
في القناع.
وفي 28 يناير
1977 أزال فريدي پرينز هذا القناع تمامًا وإلى الأبد عندما أطلَق النار على نفسه.
وطوال الخمسة
وعشرين عامًا التي مارستُ فيها الكوميديا، عرفتُ ثمانية كوميديانات على الأقل
انتحروا.
منذ سنواتٍ قال
لي أحدهم إن واحدةً من أكثر السِّمات التي لا تجدها لدى البشر هي مقدرتهم على رؤية
أنفسهم كما يراهم الآخرون، وهذا هو ما أفكِّر فيه عادةً عندما يتصرَّف أحدهم
بوقاحةٍ دون أن يدري، أو عندما يتعامل أحد كأنه أذكى مما هو عليه في الحقيقة.
كان لديَّ وروبن
مديرو الأعمال أنفسهم طوال السنوات العشر الماضية، وقد جاء أحدهم ذات مرَّة ببيلي
كريستال ليُشاهِده كمفاجأةٍ في الليلة التي كنت أصوِّر فيها فقرة خاصَّة لبرنامج Jimmy Kimmel. كانت فقرتي تقليديَّة، لكن
روبن عاملني كأنني أطحتُ به تمامًا أمام الجمهور!
عندما جاء أبي
وأمي للقائي بعد تقديمي فقرةً في أتلانتك سيتي، أصرَّ روبن على قضاء بعض الوقت
معهما ليقول أشياء جميلة جدًّا عني، وقد كان حريًّا بغروري الشخصي أن يُصدِّق أنني
بهذه الروعة فعلًا، لكن الحقيقة أن روبن كان بالذكاء الكافي ليعرف كم سيعني لوالدَي
أن يسمعاه يقول تلك الأشياء العظيمة عن ابنهما.
وقد عنى هذا
الكثير بحق...
ببساطة، مستحيل
أن روبن أدرك الطريقة التي كنا نراه بها. ببساطة، ليس من الممكن أنه فهم قدر الاحترام والحُب الذي حمله الكوميدانات الآخرون له.
أو أنني آملُ هذا
على الأقل...
لأن من المُحزِن حقًّا أن تُفكِّر
أنه كان يُدرِك هذا فعلًا، لكنه لم يعُد يكفي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق