حين
عُرض الجزء الأول من ثلاثية (سيِّد الخواتم) على شاشات السينما في عام 2001 كتبت صحيفة
النيويورك تايمز تقول إن العالم سينقسم إلى نصفين: نصف قرأ الثلاثية، ونصف سيقرأها
قريبًا؛ وهو قول لا يحمل أيَّ قدرٍ من المبالغة، بل على العكس تمامًا، فثلاثية (سيِّد
الخواتم) لم تكن في حاجة إلى السينما لتدعمها بل لتُذكِّرنا بها، فهذه الثلاثية تُعتبر
الأهم، ليس في تاريخ أدب الفانتازيا فحسب، بل هي نقطة تحوُّل في تاريخ الأدب كله.
والآن
حان الوقت لنُعرِّفك على كاتبها الذي حفَر اسمه في التاريخ بأحرفٍ من ذهب، حان الوقت
لنُعرِّفك على چون رونالد رول تولكين.
وُلد
تولكين في الثالث من يناير من عام 1892 في جنوب أفريقيا لأبوين من أصول ألمانية، إذ
كانت عائلته قد تركت ألمانيا في أوائل القرن الثامن عشر وهاجرت إلى بريطانيا واستقرَّت
هناك حتى نالت الجنسيَّة البريطانية، ثم حصل والده آرثر على منصب مدير فرع البنك الذي
يعمل به في جنوب أفريقيا، ليأخذ زوجته مايبل وينتقل إلى هناك، لتُنجب مايبل طفليها
رونالد وهيلاري. وهكذا يمكنك أن ترى كيف أن أصول تولكين المختلطة وطفولته التي قضاها
في جنوب أفريقيا قد لعبت دورًا مهمًّا في تشكيل ثقافته، الأمر الذي انعكس على كتاباته
فيما بعد، فعلى سبيل المثال تعرَّض رونالد وهو لا يزال في الثالثة من عمره إلى لدغة
عنكبوتٍ سام كادت تودي بحياته، لتمنحه هذه اللدغة خوفه المرضي من العناكب، لذا ستجد
أن بطله فرودو يواجه عنكبوتًا في الجزء الثاني من (سيِّد الخواتم) -الكتاب لا الفيلم-
وتجد أن العناكب تلعب دورًا رئيسًا كذلك في روايتنا هذه، كما أن الطبيب ثورتون كويمبي
الذي عالجه من اللدغة هو من أوحى له بشخصية الساحر جاندلف الذي ستجده في ثلاثية الخواتم
و(الهوبيت) و(السيلماريليون).
بعد
هذه الحادثة بفترةٍ قصيرة توفى والده آرثر بالحمى الروماتزميَّة، فعادت الأم مايبل
بطفليها إلى بريطانيا لتبدأ معاناتها في تربيتهما وحيدة، تلك المعاناة التي تضاعفت
بعد أن اعتنقت الكاثوليكية في عام 1900 مُثيرةً حفيظة عائلتها البروتستانتية التي أعلنت
انفصال مايبل عنها ورفضت تقديم أيِّ عونٍ مادي أو معنوي لها، لتُجبَر مايبل على العمل
لتُنفق على عائلتها. لكن عملها لم يمنعها من رعاية طفليها كما يجب، خاصةً أنها لاحظت
ذكاء رونالد الفطري ونهمه الدائم للمعرفة، فعلَّمته اللاتينية حتى أتقنها وغرست فيه
حب النباتات والأشجار، الأمر الذي ستجده واضحًا في كتاباته أيضًا. لكن معاناة مايبل
لم تطل، فالأم كانت مصابة بمرض السُّكَّري الذي لا علاج له سوى الأنسولين الذي لم يكن
قد اكتُشف بعد، لتُنهي مضاعفات السُّكَّري حياتها في عام 1904 تاركةً طفليها في رعاية
الأب فرانسيس زافير مورجان الذي أكمل تعليم رونالد مُعتبِرًا إياه ابنه الذي لم يُنجبه،
خاصةً مع التزام رونالد واجتهاده الدائمين.
في
عام 1911 -خلال دراسته في مدرسة الملك إدوارد- أسَّس رونالد مع ثلاثة من أصدقائه جمعية
شبه سريَّة هي جمعية T.C.B.S وهي اختصار لعبارة (نادي الشاي وجمعية باروڤيان)، إذ جمع بينهم حبهم لتناوُل
الشاي في مقهى قريب من المدرسة، حتى إنهم واصلوا اجتماعاتهم بعد انتهاء دراستهم، وشجَّعت
هذه الجمعية رونالد على كتابة الشعر الذي كان يقرأه على أصدقائه ليحظى بالاهتمام والتشجيع.
ثم
دخل رونالد مرحلة المراهَقة في السادسة عشرة من عمره ليقع في غرام إديث ماري برات التي
كانت تكبره بثلاث سنوات، لكن هذه لم تكن مشكلتها الوحيدة، فإديث كانت بروتستانتية المذهب،
ما أثار حفيظة الأب فرانسيس لدرجة أنه منع رونالد من رؤيتها أو الاتصال بها وإلا حرمه
من إتمام دراسته، فأذعن له رونالد مضطرًّا حتى أتم الواحدة والعشرين من العمر، ليُرسل
إلى إديث مُعلنًا حبه لها ورغبته في الزواج منها، لكنها فاجأته برسالة تُخبره فيها
بأنها ستتزوَّج من رجل آخر لأنها ظنَّت أنه هجرها.
أسرع
لها رونالد وأعلن لها أنه لم يتوقَّف يومًا عن حبها فلم تتمالك إديث نفسها، بل ألغت
زواجها وأعلنت لأسرتها أنها ستتزوَّج من رونالد، بل إنها اعتنقت الكاثوليكية من أجله
ليتزوَّج الاثنان في عام 1916. لكن رونالد التحق في العام ذاته بالجيش البريطاني وخاض
الحرب العالمية الأولى كضابط اتصالات ليشهد بنفسه ويلات الحرب التي لم تُفارقه قط،
خاصةً أنه رأى بنفسه مصرع جميع أصدقاء عمره باستثناء واحدٍ فقط قبل أن يصاب هو الآخر
إصابة أجبرته على العودة إلى بريطانيا، فحاول التغلُّب على أحزانه بالكتابة، لتولد
حكايات الأرض الوسطى الأولى على فراشه في المستشفى، تلك الحكايات التي جُمعت فيما بعد
في كتاب (كتاب الحكايات المفقودة) أو The Book of Lost Tales
بجزأيه.
بعد
أن خرج من المستشفى عمل رونالد لفترةٍ في المعسكرات وإن لم يتغلَّب على الاكتئاب الذي
أصابه، حتى أخذته إديث ذات يومٍ في جولة في إحدى الغابات ورقصت له رقصةً مرحةً لتُخرجه
من اكتئابه وتوحي له في الوقت ذاته بلقاء بيرين ولوثيان الشهير في رواياته، حتى إنه
أطلق على زوجته اسم لوثيان، وظلَّ هذا الاسم معها حتى النهاية.
وانتهت
الحرب العالمية الأولى وانتقل رونالد إلى الجامعة ليعمل فيها كأستاذ للغات الأنجلوسكسونية
ويساهم في تأسيس قاموس أكسفورد الشهير ويبدأ عشقه في دراسة اللغات واختراع لغاتٍ أخرى
وجدت طريقها إلى رواياته فيما بعد. كما أنه أسَّس هو وصديقه سي إس لويس رابطة The Inklings التي ضمَّت مجموعة من الكُتَّاب
والشعراء والفلاسفة المتحمِّسين الذين يجتمعون ليلة الثلاثاء من كلِّ أسبوع في كافيتيريا
The Eagle and Child التي كان يقرأ فيها تولكين عليهم ما يكتبه أولاً فأول، ليجد الدعم والنقد
البنَّاء، خاصةً من لويس الذي خرج علينا بحكايات (نارنيا) الشهيرة فيما بعد.
أنجبت
إديث لرونالد أربعة أطفال تعلَّق بهم تمامًا، ثم وفي إحدى الليالي فكَّر في قصة يحكيها
لأطفاله قبل النوم، ليبدأ العمل في رواية (الهوبيت) التي أصبحت البداية لعالمٍ كاملٍ
من الفانتازيا، الأمر الذي يُذكِّرنا بالرائعة رولينج التي كانت تُفكِّر في قصة تحكيها
لابنتها قبل النوم، لتخرج على العالم كله بسلسلتها (هاري پوتر).
صحيحٌ
أن تولكين بدأ في تشكيل عالمه منذ زمن طويل، إلا أن رواية (الهوبيت) كانت بالنسبة له
بمثابة تحدٍّ أكبر، خاصة وأنها موجَّهة للأطفال الذين لا يمكنك الجزم أبدًا بما سيروق
لهم، كما أنها أول رواية مُكتمِلة تدور في عالمه الذي عاش فيه طويلاً في خياله؛ وها
هو الآن سيدعو القُرَّاء لدخول هذا العالم، فهل سيحبونه أم...؟
هكذا
بدأ تولكين في كتابة فصول روايته ببطءٍ شديد محافظًا على عادته في مراجعة أدق التفاصيل
ومحاولاً أن يُقدِّم روايةً ممتعةً من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى أن يُحقِّق أمنيته في
صُنع عالم من الأساطير يُعوِّض به بريطانيا التي لم يحمل تاريخها الثقافي مثيلاً له
قط.
بدأت
الرواية بجملة «في حُفرةٍ بالأرض كان يسكن واحد من الهوبيت...»، لكنها لم تنتهِ إلا
وقد قدَّمت للقارئ عالمًا يعيش فيه الهوبيت والأقزام والسحرة والتنانين ولغات مخترعة
وخرائط مرسومة وعشرات التفاصيل الأخرى التي مرَّ عليها تولكين مرور الكرام لكنها تؤكِّد
على أن هناك المزيد، وهذا المزيد لن يأتي إلا لو نجح في أول وأخطر اختبار له على الإطلاق:
عليه أن ينشر الرواية ليعرف يقينًا إن كانت ستنجح أم لا، وبعدها لنرَ ما سيكون.
لم
يكن تولكين يُفكِّر في النشر حينها، لكن روايته وجدت طريقها إلى سوزان داجنال العاملة
في دار لندن للنشر، والتي شعرت بأن الرواية تستحق النشر فعلاً، فشجَّعت تولكين على
خوض المخاطرة. هكذا حمل تولكين روايته إلى الناشر چورچ آلن الذي تحمَّس لفكرة تقديم
عمل أدبي للأطفال في وقت لم يعد هناك ما يقرأونه فيه، لكنه لم يعلن حماسه هذا لتولكين،
بل أخبره بأنها مخاطَرة غير مضمونة العواقب، لكنه سيخوضها على أمل أن تنجح وتُغطِّي
تكاليفها فحسب.
ثم
نشر الرواية في الحادي والعشرين من سبتمبر عام 1937، لينتظر هو وتولكين ردود الفعل
على أحر من الجمر.
ولم
تنجح الرواية كما توقَّع آلن، بل فاق نجاحها أقصى آماله بألف مرَّةٍ على الأقل!
على
الفور انغمس الأطفال -والكبار أيضًا- في عالم الأرض الوسطى والهوبيت بيلبو والساحر
جاندلف وكنز الأقزام الذهبي الذي يحرسه التنين، وأدمنوا هذا العالم ليُطالبوا چورچ
آلن بالمزيد، فحمل هو مطلبهم إلى تولكين راجيًا منه أن يبدأ العمل على جزءٍ ثانٍ من
الرواية، لكنه فوجئ بتولكين يرفض تكرار المخاطرة كأنه يخشى أن يُفسد نجاحه بروايةٍ
أخرى لا تُحقِّق ما حقَّقته له (الهوبيت). هكذا بدأ آلن في الإلحاح على تولكين حتى
وافق أخيرًا لاعتبارات الصداقة فحسب، وإن أعلن أن الجزء الثاني سيكون أصغر بكثير، فوافق
آلن تاركًا له حريَّة الكتابة كيفما يشاء، ليبدأ تولكين العمل من جديد.
وهنا
كان السؤال الأول الذي قاد للثلاثية الخالدة: من أين يبدأ؟
وهنا
كان على تولكين أن يعيد قراءة روايته أكثر من مرَّة، حتى انتهى به الأمر أخيرًا عند
الخاتم الذي حصل عليه بيلبو في أحد فصول الرواية، ليجد تولكين نفسه متوقِّفًا عنده
طويلاً.
تُرى
من أين أتى هذا الخاتم؟ من كان يملكه، ولماذا؟ وما الذي سيفعله هذا الخاتم ببيلبو،
بل بعالمه كله؟
كلها
أسئلة ظلَّت بلا إجابة، لكنها أغرت تولكين ببدء العمل الذي لم يكن سهلاً هذه المرة
قَط. اهتمامه بالتفاصيل أرهقه بشدة، واضطراره لسرد تاريخ الخاتم كان يعني أن يسرد تاريخ
الأرض الوسطى كلها وما حولها من أراضٍ، وهذا يعني أن مهمته هذه المرة ستكون أكبر، وأن
العالم الذي قدَّمه في (الهوبيت) سوف يُفصح عن أسراره في هذا الجزء. لكنه قرَّر البدء
في الكتابة على أن يصل لإجاباتٍ على أسئلته لاحقًا، لينتهي من الفصل الأول من روايته
الجديدة التي لم يستقر على اسمها بعد، وليُمزِّقه على الفور!
لسببٍ
ما شعر تولكين بأن ما كتبه لا يصلح، لكنه لم يترك هذا يوقفه، بل أعاد كتابة الفصل الأول
مرَّة ثانية وثالثة ورابعة، وفي المرة الخامسة استقر أخيرًا على ما يريده، ليواصل من
بعدها الكتابة ببطءٍ أشد، ولتعاني بقيَّة فصول روايته من الإعادة والتنقيح والتعديل،
وهي المرحلة التي يصفها ابنه كريستوفر قائلاً:
- «كان أبي يبحث
عن شيءٍ ما في هذه المرحلة، شيءٍ لا يعرفه، لذا ستجده كان يكتب كلَّ فصلٍ بأسماءٍ وتفاصيلٍ
مختلفة، كأنه يُجرِّب شيئًا ما في كلِّ مرَّة، وكلما عثر على ما هو أفضل كان يعيد كتابة
كل ما سبق من جديد».
والواقع
أن كريستوفر لعب دورًا مهمًّا للغاية في كتابات تولكين بقدرته الخارقة على ملاحظة أدق
التفاصيل، إذ اعتاد تولكين أن يقرأ على ابنه الفصول الجديدة أولاً فأول، ليُصحِّح له
هذا تفاصيلَ من نوعيَّة لون مقبض الباب في منزل بيلبو ونوع الأزهار التي كان يزرعها
في حديقته.
وبينما
لعب كريستوفر دور المصحِّح الملاحِظ لكلِّ شيء، لعب لويس دور الصديق المُشجِّع الذي
كان يُصغي للفصول التي يتلوها عليه صديقه في اجتماعات The
Inklings الأسبوعية، ليُثني على ما يفعله
تولكين ويُحمِّسه على الاستمرار في حكايته. لكنهم لم يُدركوا كلهم أن تولكين لم يكن
يعرف إلى أين ستمضي به قصته، لدرجة أنه كتب إلى لويس ذات مرَّة يقول:
- «وصلت إلى النقطة
التي سيترك فيها فرودو ورفاقه شاير. أعرف أنه ذاهب للقاء جاندلف، لكني أعرف أن جاندلف
سيتخلَّف عن هذا اللقاء لسببٍ ما. أعرف أيضًا أنهم سيلقون شخصًا اسمه سترايدر، لكنه
ليس اسمه الحقيقي. بل إن له دورًا في القصة لا أعرفه إلى الآن».
وببطءٍ
أدرك تولكين المشكلة الحقيقيَّة فيما يكتبه، فهذه المرة لم تعد القصة للأطفال، بل تشابكت
الأحداث وازدادت عُمقًا ونُضجًا واكتست بنوعٍ من السوداويَّة التي تليق بروايات الكبار؛
وقد أرَّقته هذه الملاحظة طويلاً، فأرسل الفصول التي كتبها لصديقه الناشر آلن يرجوه
أن يُعطيها لابنه ليقرأها لأنه في حاجة لرأي طفلٍ فيما يكتب.
أرسلها
وانتظر ليأتيه الرد في صورة رجاء بأن يُكمل، ليستعيد تولكين ثقته ويبدأ في الإجابة
على كلِّ الأسئلة التي أرَّقته طويلاً. وهكذا تحوَّل الجزء الثاني من رواية (الهوبيت)
إلى كتابٍ ضخم تتجاوز صفحاته الألف ويحمل ذلك الاسم الذي يعشقه قُرَّاء الفانتازيا
في كل مكان.
(سيِّد الخواتم)...
وبعد
سنواتٍ من الكتابة وإعادة الكتابة والتصحيح والمراجعة الدقيقة حمل تولكين روايته إلى
آلن، ليُصدَم هذا الأخير بالجزء الثاني -الذي كان من المفترَض أن يكون أصغر من (الهوبيت)-
والذي كان يفوقها حجمًا بستِّ مراتٍ على الأقل، وليعلن أنه لن يتمكَّن من نشر هذه الرواية
أبدًا!
هنا
كانت الصدمة من نصيب تولكين الذي حمل أوراقه وعاد إلى منزله حزينًا ليدخل في مرحلة
طويلة من الاكتئاب كاد معها أن يحرق كل ما كتب، لولا زوجته التي أسمعته تسجيلاً بصوته
لأحد فصول الرواية معلنةً أنه يجب أن يحاول مرة أخرى، فوافق تولكين وكرَّر المحاولة.
هنا
شرح له آلن أن المشكلة في ارتفاع أسعار الورق بصورة فلكيَّة بعد الحرب، وأن طباعة رواية
بهذا الحجم ستكون مخاطَرة أكبر من أن يتحمَّلها هو كناشر وأن يدفع ثمنها القارئ. ثم
إنه اقترح أن يُقسِّم الرواية إلى ثلاثة أجزاء تُنشر على فتراتٍ متباعدة لتقليل التكلفة
من ناحية ولاختبار نجاحها مع نشر الجزء الأول من ناحيةٍ أخرى، فوافق تولكين مضطرًّا،
وإن تساءل في حيرة عن اسم كلِّ جزءٍ من الأجزاء الثلاثة، خاصةً وأنه يكره أن تحمل الثلاثة
كُتُب الاسم ذاته مع عبارة (الجزء الأول) و(الجزء الثاني)، فأتى دور آلن ليساعده في
اتخاذ القرار، فأطلق على الجزء الثاني اسم (البرجان) بينما أسمى تولكين الجزء الأول
(رفقة الخاتم)، ثم اقترح آلن أن يُسمِّي الجزء الثالث (عودة الملك)، وهو الاسم الذي
أثار قلق تولكين لكونه يكشف عن حدث رئيس في الرواية، لكن آلن أقنعه بأن روايته أكثر
قوة وأهميَّة من أن تُحرق أحداثها حتى ولو حُكيت كاملة.
ثم
نُشر الجزء الأول في عام 1954 ليتغيَّر العالم تمامًا...
القول
هنا لا مبالغة فيه، فالنجاح المذهل وأرقام المبيعات التي حقَّقها الجزء الأول لم يُحقِّقها
كتاب آخر من قبل قَط، ثم ومع نشر الجزأين الثاني والثالث عام 1955 تحوَّلت هذه الثلاثية
إلى أشهر رواية في القرن العشرين على الإطلاق، وأصبح لها أتباع بمعنى الكلمة، ثم إن
هناك أجيالاً كاملةً من الكُتَّاب والنُّقاد الذين أعلنوا أنهم بدأوا مهنتهم من فرط
حبهم لثلاثية (سيِّد الخواتم) التي لم تُحقِّق حُلم تولكين في أن تصبح لبريطانيا أساطيرها
فحسب، بل أعادت تشكيل أدب الفانتازيا إلى الأبد.
ولم
يتوقَّف الأمر على الكُتَّاب والنُّقاد، بل ظهر من تخصَّصوا فقط في رسم لوحات لكتابات
تولكين، ومن أشهرهم وأهمهم آلان لي وچون هاو؛ ويكفي أن تعرف أن من بين من حاولوا تقديم
هذا العالم مرسومًا مارجريت الثانية ملكة الدانمرك!
بالطبع
لا يمكن هنا حصر كم المسرحيَّات والعروض الموسيقية وأفلام الكارتون التي بُنيت على
روايات تولكين، فهنا لم يعد الأمر إعادة تشكيل لأدب الفانتازيا فحسب، بل إعادة تشكيل
ثقافة عالمٍ بأكمله. وتضاعفت شهرة تولكين إلى درجة لم يحتملها هو، فاعتزل متواريًا
عن المعجبين الذين طاردوه في كلِّ مكانٍ ومعلنًا أنه في حاجة إلى راحة استحقَّها منذ
فترةٍ طويلة.
لكن
الشهرة طاردته لسنواتٍ طويلة، فتجاهلها هو مكتفيًا بقضاء أيامه مع زوجته وحبيبته إديث
حتى فارقته عام 1971 ليحفُر تولكين اسم لوثيان على شاهد قبرها ويعيش محاولاً استيعاب
حزنه الذي لم يُخرجه منه أي شيء حتى تكريمه من الملكة إليزابيث.
ولم
يطل به الأمر حتى لحق بزوجته ليُدفن في قبرها بُناءً على رغبته، وليضاف إلى شاهد القبر
اسم بيرين، وكان هذا في الثاني من سبتمبر عام 1973.
مات
تولكين، لكن أعماله ظلَّت تتربَّع على قوائم المبيعات لسنواتٍ طويلة حتى بعد وفاته،
وخرج من عباءته عشرات من الكُتَّاب يحكون قصصًا عن عوالم السحرة والأقزام والإلفيين،
معلنين عن ولائهم لأستاذهم الذي لُقِّب بأبي الفانتازيا، والذي لم تتوقَّف كُتُبه بمماته،
وهذا لأن ابنه كريستوفر جمع أعمال أبيه غير المكتملة ونسَّقها ليُقدِّم لنا روايات
The Silmarillion وUnfinished Tales
وThe Children of Húrin، كما أنه قام بجمع مُسوَّدات وحكايات والده القديمة ليُقدِّمها في
موسوعةٍ ضخمة من اثني عشر جزءًا هي (تاريخ الأرض الوسطى) أو The
History of Middle-earth فائقة الجمال والأهميَّة.
وجدت
أعمال تولكين طريقها إلى عالم السينما في عدة محاولات لم تحظ بالنجاح المطلوب، حتى
أتى المخرج النيوزلندي پيتر چاكسون عام 2001 ليُقدِّم ثلاثية الأفلام التي حقَّقت نجاحًا
مذهلاً حاصدةً المليارات وجوائز الأوسكار على حدِّ سواء، والتي قال عنها چاكسون:
- «لقد قدَّمتُ
ثلاثية الأفلام لأُذكِّر الناس أن هناك ما هو أروع، ثلاثية تولكين كما كتبها... علَّهم
يقرأونها».